للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

والأظهر-والله أعلم- أن الفسق هنا أشد من الكفر، فالمراد: متمردون في الكفر خارجون عن حدوده (١).

قال ابن عاشور: (والأحسن أن يفسر الفسق هنا بالخروج عن الإيمان بعد التلبس به، أي بصورة الإيمان، فيكون المراد من الفسق معنى أشنع من الكفر) (٢).

٩٧ - جواز هجران أهل المعاصي تأديبا لهم لينزجروا عن المعاصي (٣).

قال تعالى: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١١٨)} التوبة: ١١٨.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (قوله: {حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ} معناه: أنهم أخروا عن قبول التوبة إلى هذه الغاية، وهي وقت أن ضاقت عليهم الأرض بما رحبت. وما مصدرية أي: برحبها لإعراض الناس عنهم وعدم مكالمتهم من كل أحد؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى الناس أن يكالموهم.

وفي هذه الآية دليل على جواز هجران أهل المعاصي تأديبا لهم؛ لينزجروا عن المعاصي) (٤).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني (٥) من الآية جواز هجران أهل المعاصي تأديبا لهم لينزجروا عن المعاصي.

ووجه الاستنباط: أن الله خَلَّف الثلاثة عن التوبة، فأرجأهم عمن تاب عليه ممن تخلف عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأمر نبيه -صلى الله عليه وسلم- بهجرانهم، ونهى الناس عن كلامهم، وأخر الحكم فيهم حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت؛ فدل ذلك بدلالة الاقتداء بأفعال الله تعالى، وتأمل أحكام الله على جواز هجران أهل المعاصي تأديبا لهم لينزجروا عن المعاصي.


(١) انظر: إرشاد العقل السليم ج ٤/ ص ٩٠، وروح المعاني ج ١٠/ ص ١٥٥.
(٢) التحرير والتنوير ج ١٠/ ص ١٧١.
(٣) وهو استنباط تربوي، واستنباط في علوم القرآن (قصص القرآن) أيضا.
(٤) فتح القدير ج ٢/ ص ٤١٣.
(٥) واستنبط غيره من قوله تعالى: {خُلِّفُوا} لطف الله بالثلاثة أن وسمهم بوسم ليس بعار عليهم، فقال: {خُلِّفُوا} إشارة إلى أن المؤمنين خلفوهم، أو خلفوا عن من بت في قبول عذرهم، أو في رده، وأنهم لم يكن تخلفهم رغبة عن الخير، ولهذا لم يقل تخلفوا. انظر: تيسير الكريم الرحمن ص ٣٥٥.

<<  <   >  >>