للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال الشوكاني -رحمه الله-: (وفي هذه الآية بيان أن الله سبحانه وضع هذه الشهور وسماها بأسمائها على هذا الترتيب المعروف يوم خلق السموات والأرض، وأن هذا هو الذي جاءت به الأنبياء، ونزلت به الكتب، وأنه لا اعتبار بما عند العجم والروم والقبط من الشهور التي يصطلحون عليها، ويجعلون بعضها ثلاثين يوما، وبعضها أكثر، وبعضها أقل) (١).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني (٢) من الآية أنه لا اعتبار بما عند العجم والروم والقبط من الشهور التي يصطلحون عليها.

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى قال: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}، وقد كان يحتمل أن يراد بهن السنة الشمسية أو القمرية، لكن قوله تعالى: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} خلصت لأن يقال إنما أراد السنة القمرية، وهي العربية؛ لأن العرب هي التي كانت تعتقد حرمة هذه الأشهر الأربعة الحرم (٣)، وتُحرِّم القتال فيها، ولما جاء الإسلام لم يزدها إلا حرمة وتعظيما. فدل ذلك على أن الواجب تعليق الأحكام المتصلة بالشهور والسنين من عبادات وغيرها بالأشهر العربية دون الأشهر التي يعتبرها العجم والروم (٤).

وممن قال بهذا الاستنباط: إلكيا، والقرطبي، والسيوطي، والقنوجي. (٥).

فالواجب على المسلمين الأخذ بهذا الحساب والعدد في صومهم، وحجهم، وأعيادهم، وبيعاتهم، وأجل ديونهم، وسائر أحكام المسلمين المرتبة على الشهور (٦). دون الشهور التي تعتبرها العجم والروم والقبط، وإن لم تزد على اثني عشر شهرا؛ لأنها مختلفة الأعداد، منها ما يزيد على ثلاثين، ومنها ما ينقص، وشهور العرب لا تزيد على ثلاثين، وإن كان منها ما ينقص، والذي ينقص ليس يتعين له شهر، وإنما تفاوتها في النقصان والتمام على حسب اختلاف سير القمر في البروج (٧).


(١) فتح القدير ج ٢/ ص ٣٥٨.
(٢) واستنبط السيوطي من الآية أن اللغات توقيفية، ووجهه: أن الله وضع هذه الأشهر، وسماها ورتبها على ما هي عليه، وأنزل ذلك على أنبيائه. الإكليل ج ٢/ ص ٨٠٧.
(٣) انظر: أحكام القرآن لابن الفرس ج ٣/ ص ١٤٩. والأشهر الأربعة الحرم هي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب.
(٤) انظر: أحكام القرآن للكيا ج ٤/ ص ١٩٩.
(٥) انظر: أحكام القرآن للكيا ج ٤/ ص ١٩٩، والجامع لأحكام القرآن ج ٨/ ص ١٢٣، والإكليل ج ٢/ ص ٨٠٦، وفتح البيان ج ٥/ ص ٢٩٦.
(٦) انظر: حدائق الروح والريحان ج ١١/ ص ٢٤١.
(٧) انظر: الجامع لأحكام القرآن ج ٨/ ص ١٢٣.

<<  <   >  >>