للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[الثاني: الاستنباطات التي ردها ردا صريحا.]

[ومن أمثلة ذلك]

١ - قول الشوكاني - عند قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (١١٥)} [النساء: ١١٥]-: (وقد استدل جماعة من أهل العلم بهذه الآية على حجية الإجماع لقوله: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} ولا حجة في ذلك عندي؛ لأن المراد بغير سبيل المؤمنين هنا هو الخروج من دين الإسلام إلى غيره كما يفيده اللفظ، ويشهد به السبب، فلا تصدق على عالم من علماء هذه الملة الإسلامية اجتهد في بعض مسائل دين الإسلام فأداه اجتهاده إلى مخالفة من بعصره من المجتهدين، فإنه إنما رام السلوك في سبيل المؤمنين وهو الدين القويم والملة الحنيفية، ولم يتبع غير سبيلهم … ) (١).

٢ - قول الشوكاني - عند قوله تعالى: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا … مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا (١٥٣)} [النساء: ١٥٣]-: (والباء في قوله: {بِظُلْمِهِمْ} للسببية أي: بسبب ظلمهم في سؤالهم الباطل لامتناع الرؤية عيانا في هذه الحالة، وذلك لا يسلتزم امتناعها يوم القيامة، فقد جاءت بذلك الأحاديث المتواترة، ومن استدل بهذه الآية على امتناع الرؤية يوم القيامة فقد غلط غلطا بينا) (٢).

٣ - قول الشوكاني - عند قوله تعالى: {قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٩٢)} [يوسف: ٩٢]-: (عن عطاء الخراساني (٣) قال: طلب الحوائج إلى الشباب أسهل منها عند الشيوخ، ألم تر إلى قول يوسف: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ}، وقال يعقوب: {قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ … هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٩٨)} [يوسف: ٩٨]؛ أقول: وفي هذا الكلام نظر؛ فإنهم طلبوا من يوسف أن يعفو عنهم بقولهم: {لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا} [يوسف: من الآية ٩١]؛ فقال: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ}؛ لأن مقصودهم صدور العفو منه عنهم، وطلبوا من أبيهم يعقوب أن يستغفر الله لهم، وهو لا يكون إلا بطلب ذلك منه إلى الله عز وجل، وبين المقامين فرق، فلم يكن وعد يعقوب لهم بخلا عليهم بسؤال الله لهم، ولا سيما إذا صح ما تقدم من أنه أخر ذلك إلى وقت الإجابة، فإنه لو طلبه لهم في الحال لم يحصل له علم بالقبول) (٤).


(١) فتح القدير ج ١/ ص ٥١٥.
(٢) فتح القدير ج ١/ ص ٥٣٣.
(٣) هو أبو عثمان، عطاء بن أبي مسلم الخراساني، اسم أبيه ميسرة، وقيل: عبد الله، له كتاب: "تنزيل القرآن"، وتفسيره، وناسخه ومنسوخه، لم يصح أن البخاري أخرج له، لكن روى له مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، مات سنة خمس وثلاثين ومائة للهجرة. انظر: طبقات المفسرين للداودي ج ١/ ص ٣٧٩، ٣٨٠، وشذرات الذهب ج ١/ ص ١٩٢.
(٤) فتح القدير ج ٣/ ص ٥٤.

<<  <   >  >>