للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

مع التنبه إلى أن الفصل أولى. قال ابن الفرس: وقالت فرقة: بل الضمير لله تعالى وملائكته، وذلك جائز للبشر فعله، ولم يقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بئس الخطيب أنت" لهذا المعنى، وإنما قاله لأن الخطيب وقف على: "ومن يعصهما" وسكت (١). إلى أن قال: وفي كتاب مسلم: "بئس الخطيب أنت"، وقَّفه وحمله على الأولى في فصل الضمير. "قل: ومن يعص الله ورسوله" احتمل هذا أن يكون لما خطأه في وقفه أصلح له بعد ذلك جميع كلامه؛ لأن فصل ضمير اسم الله تعالى من ضميره أولى لا محالة، فقال له: بئس الخطيب أنت لموضع وقفه، وحمله على الأولى في فصل الضمير، وإن كانا جميعا جائزين (٢).

١٨٠ - الأذية للمؤمن والمؤمنة بما كسبوه ليست من الأذية المحرمة شرط ألا تجاوز ما شرعه الله (٣).

قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (٥٨)} الأحزاب: ٥٨

قال الشوكاني-رحمه الله-: ({وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} بوجه من وجوه الأذى، من قول، أو فعل. ومعنى: {بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا} أنه لم يكن ذلك لسبب فعلوه يوجب عليهم الأذية ويستحقونها به. فأما الأذية للمؤمن والمؤمنة بما كسبه مما يوجب عليه حدا، أو تعزيرا، أو نحوهما فذلك حق أثبته الشرع، وأمر أمرنا الله به، وندبنا إليه. وهكذا إذا وقع من المؤمنين والمؤمنات الابتداء بشتم لمؤمن أو مؤمنة، أو ضرب، فإن القصاص من الفاعل ليس من الأذية المحرمة على أي وجه كان، ما لم يجاوز ما شرعه الله) (٤).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني -رحمه الله- أن الأذية للمؤمن والمؤمنة بما كسبوه ليست من الأذية المحرمة شرط ألا تجاوز ما شرعه الله.

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى رتب على أذية المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا وعيدا شديدا، وعذابا مهينا، وقيده بقوله: {بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا}؛ فدل بمفهوم المخالفة-مفهوم القيد- على أن الأذية للمؤمن والمؤمنة بما كسبوه ليست من الأذية المحرمة، شرط ألا تجاوز ما شرعه الله. فإن تجاوزت كانت أذية بغير ما اكتسب. قال الرازي: فإن من جلد مائة على شرب الخمر آذى بغير ما اكتسب أيضا، ومن جلد على الزنا، أو حد الشرب، لم يؤذ بغير ما اكتسب، ويمكن أن يقال: لم يؤذ أصلا؛ لأن ذلك إصلاح حال المضروب (٥).


(١) ولذا يذكر أهل فن الوقف والابتداء هذا الحديث في مقدمات كتبهم لتأصيل الوقف. انظر: القطع والائتناف للنحاس ص ٢٨، ومنار الهدى للأشموني ص ١٨.
(٢) انظر: أحكام القرآن ج ٣/ ص ٤٤٢، ٤٤٣.
(٣) وهو استنباط فقهي.
(٤) فتح القدير ج ٤/ ص ٣٠٣.
(٥) انظر: التفسير الكبير ج ٢٥/ ص ١٩٨.

<<  <   >  >>