للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[سورة الكهف]

١٣٧ - أقبح أنواع الكفر نسبة الولد إلى الله سبحانه (١).

قال تعالى: {قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (٢) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (٣) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (٤)} الكهف: ٢ - ٤.

قال الشوكاني -رحمه الله-: ({وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (٤)} وهم اليهود، والنصارى، وبعض كفار قريش القائلون بأن الملائكة بنات الله. فذكر سبحانه أولا قضية كلية وهي إنذار عموم الكفار، ثم عطف عليها قضية خاصة هي بعض جزئيات تلك الكلية تنبيها على كونها أعظم جزئيات تلك الكلية؛ فأفاد ذلك أن نسبة الولد إلى الله سبحانه أقبح أنواع الكفر) (٢).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني -رحمه الله- أن أقبح أنواع الكفر نسبة الولد إلى الله سبحانه.

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى ذكر أولا قضية كلية وهي إنذار عموم الكفار، فقال: {لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ} أي لينذر من كفر بالله ورسوله عموما، ثم عطف عليها قضية خاصة هي بعض جزئيات تلك الكلية، فقال: {وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (٤)} فخص القائلين بذلك مع دخولهم في الإنذار السابق (٣)؛ فدل بدلالة عادة القرآن في أنه إذا ذكر قضية كلية عطف عليها بعض جزئياتها تنبيها على كونه أعظم جزئيات ذلك الكلي؛ أي دل على أن نسبة الولد إلى الله سبحانه أقبح أنواع الكفر.

قال الرازي: (اعلم أن قوله تعالى: {وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (٤)} معطوف على قوله: {لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ}، والمعطوف يجب كونه مغايرا للمعطوف عليه، فالأول عام في حق كل من استحق العذاب، والثاني خاص بمن أثبت لله ولدا، وعادة القرآن جارية بأنه إذا ذكر قضية كلية عطف عليها بعض جزئياتها تنبيها على كونه أعظم جزئيات ذلك الكلي، كقوله تعالى: {وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ} (٤) [البقرة: ٩٨]، فكذا هاهنا العطف يدل على أن أقبح أنواع الكفر والمعصية إثبات الولد لله تعالى) (٥).


(١) وهو استنباط عقدي.
(٢) فتح القدير ج ٣/ ص ٢٦٩.
(٣) ولذا لم يذكر المنذر به هنا لتقدم ذكره. قال الزمخشري: (فإن قلت: لم اقتصر على أحد مفعولي ينذر؛ قلتُ: قد جعل المنذر به هو الغرض المسبوق إليه فوجب الاقتصار عليه، والدليل عليه تكرير الإنذار في قوله: {وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (٤)} متعلقا بالمنذرين من غير ذكر المنذر به). الكشاف ج ٢/ ص ٦٥٧، ٦٥٨.
(٤) وتمامها: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (٩٨)}.
(٥) التفسير الكبير ج ٢١/ ص ٦٦.

<<  <   >  >>