للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولكل قول دليله المعتبر، لكن ما استنبطه الشوكاني ومن قال بقوله أظهر- والله أعلم- لأمرين:

الأول: لوجوب حمل المطلق في قوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} على المقيد وهو قوله تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢١٧)} (١).

قال الشنقيطي: (قول الشافعي ومن وافقه في هذه المسألة أجري على الأصول؛ لوجوب حمل المطلق على المقيد ولا سيما إذا اتحد الحكم والسبب كما هنا) (٢).

الثاني: لأن القول بهذا الاستنباط فيه ترغيب في الرجوع إلى الإسلام بعد الارتداد (٣).

٢٣ - لا يعلم أحد في هذه الدنيا أنه صائر إلى الجنة ولو بلغ في طاعة الله كل مبلغ (٤).

قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢١٨)} البقرة: ٢١٨.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (وقوله: {يَرْجُونَ} معناه يطمعون، وإنما قال: يرجون بعد تلك الأوصاف المادحة التي وصفهم بها؛ لأنه لا يعلم أحد في هذه الدنيا أنه صائر إلى الجنة ولو بلغ في طاعة الله كل مبلغ) (٥).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني (٦) -رحمه الله- أنه لا يعلم أحد في هذه الدنيا أنه صائر إلى الجنة ولو بلغ في طاعة الله كل مبلغ.


(١) انظر: البرهان في علوم القرآن ج ٢/ ص ١٤٠، و أضواء البيان ج ٢/ ص ٥٠٨.
(٢) أضواء البيان ج ٢/ ص ٥٠٨.
(٣) انظر: إرشاد العقل السليم ج ١/ ص ٢١٧.
(٤) وهو استنباط في الرقائق، وفي العقيدة باعتبار الرجاء من أبواب التوحيد، وهو استنباط في علوم القرآن (مناسبة لفظ).
(٥) فتح القدير ج ١/ ص ٢١٨.
(٦) واستنبط غيره من الآية استنباطات أخرى، منها:
١) مناسبة ختم الآية بقوله تعالى: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢١٨)}، قال الحرالي: وفي الختم بالرحمة أبداً في خواتم الآي إشعار بأن فضل الله في الدنيا والآخرة ابتداء فضل ليس في الحقيقة جزاء العمل، فكما يرحم العبد طفلاً ابتداء؛ يرحمه كهلاً انتهاء، ويبتدئه برحمته في معاده كما ابتدأه رحمته في ابتدائه. انظر: نظم الدرر ج ١/ ص ٤٠٨.
وقال الشيخ ابن عثيمين: قد يقول قائل: ما محل ذكر اسم الله الغفور هنا مع أن هؤلاء قاموا بأعمال صالحة؟ الجواب: أن القائم بالأعمال الصالحة قد يحصل منه شيء من التفريط، والتقصير؛ ولذلك شرع للمصلي أن يستغفر الله ثلاثا بعد السلام، وأما ذكر الرحيم فواضح مناسبته؛ لأن كل هذه الأعمال التي عملوها من آثار رحمته. تفسير سورة البقرة ج ٣/ ص ٦٤، ٦٥.
٢) مناسبة تقديم وصف المغفرة أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. انظر: روح المعاني ج ٢، ص ٢٠٥.

<<  <   >  >>