للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال ابن العربي-مبينا دليل كل منهما-: (اختلف العلماء رحمة الله عليهم في المرتد هل يحبط عمله نفس الردة أم لا يحبط إلا على الموافاة على الكفر. فقال الشافعي: لا يحبط له عمل إلا بالموافاة كافرا. وقال مالك: يحبط بنفس الردة.

ويظهر الخلاف في المسلم إذا حج ثم ارتد، ثم أسلم، فقال مالك: يلزمه الحج؛ لأن الأول قد حبط بالردة، وقال الشافعي: لا إعادة عليه؛ لأن عمله باق.

واستظهر عليه علماؤنا -المالكية- بقول الله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} (١) [الزمر: من الآية ٦٥]، وقالوا: هو خطاب للنبي -صلى الله عليه وسلم- والمراد به أمته؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- يستحيل منه الردة شرعا.

وقال أصحاب الشافعي: بل هو خطاب للنبي -صلى الله عليه وسلم- على طريق التغليظ على الأمة، وبيان أن النبي -صلى الله عليه وسلم- على شرف منزلته لو أشرك لحبط عمله فكيف أنتم؟، لكنه لا يشرك؛ لفضل مرتبته كما قال الله تعالى: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} (٢) [الأحزاب: من الآية ٣٠]؛ وذلك لشرف منزلتهن وإلا فلا يتصور إتيان فاحشة منهن؛ صيانة لصاحبهن المكرم المعظم). إلى أن قال: (وقال علماؤنا: إنما ذكر الموافاة شرطا هاهنا؛ لأنه علق عليها الخلود في النار جزاء، فمن وافى كافرا؛ خلده الله في النار بهذه الآية ومن أشرك حبط عمله بالآية الأخرى، فهما آيتان مفيدتان لمعنيين مختلفين، وحكمين متغايرين. وما خوطب به النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو لأمته حتى يثبت اختصاصه به، وما ورد في أزواجه -صلى الله عليه وسلم- فإنما قيل ذلك فيهن؛ ليبين أنه لو تصور؛ لكان هتكا لحرمة الدين، وحرمة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولكل هتك حرمة عقاب، وينزَّل ذلك منزلة من عصى في شهر حرام، أو في البلد الحرام، أو في المسجد الحرام، فإن العذاب يضاعف عليه بعدد ما هتك من الحرمات) (٣).


(١) وتمامها: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٦٥)}.
(٢) وتمامها: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (٣٠)}.
(٣) أحكام القرآن ج ١/ ص ١٨٣.

<<  <   >  >>