للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[الدراسة]

استنبط الشوكاني-رحمه الله- أن بعض أشراف قوم نوح -عليه السلام- لم يكونوا كفرة.

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى قال: {فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ} فوصف القائلين ذلك من الملأ بقوله: {الَّذِينَ كَفَرُوا}؛ فدل بمفهوم المخالفة- مفهوم صفة- على أن بعض أشراف قوم نوح -عليه السلام- لم يكونوا كفرة.

وممن قال بهذا الاستنباط: القنوجي، والهرري. (١).

وأشار إليه البقاعي عند قوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٥٩) قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٦٠)} [الأعراف: ٥٩ - ٦٠]، فقال: (ولم يصف الملأ من قومه هنا بالذين كفروا، ووصفهم بذلك في سورة هود -عليه السلام-، إما لأنها صفة يقصد بها التقييد فلا يختل المعنى بإثباتها ولا نفيها، أو لأنهم أجابوه بذلك مرتين: إحداهما: قبل أن يسلم أحد من أشرافهم، والثانية: بعد أن أسلم بعضهم) (٢).

وخالفه ابن عاشور فقال: (ولم يوصف الملأ هنا بالذين كفروا، أو بالذين استكبروا كما وصف الملأ في قصة هود (٣) بالذين كفروا استغناء بدلالة المقام على أنهم كذبوا وكفروا) (٤).

والأظهر-والله أعلم- أنه يحتمل أن يكون في أشراف قوم نوح -عليه السلام- مؤمن، كما يحتمل أن يكون هذا الوصف للذم فحسب، ولا يراد منه التقييد.

وقد ذكر الزمخشري هذين الاحتمالين في شأن أشراف قوم هود -عليه السلام- عند قوله تعالى في سورة الأعراف: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٥٩) قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٦٠)} [٥٩ - ٦٠] وقوله تعالى-بعدها-: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (٦٥) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٦٦)} [الأعراف: ٦٥ - ٦٦]. فوجَّه الزمخشري وصف الله الملأ من قوم هود -عليه السلام- بالكفر دون الملأ من قوم نوح -عليه السلام- بقوله: (فإن قلت: لم وصف الملأ الذين كفروا دون الملأ من قوم نوح؟ قلت: كان في أشراف قوم هود من آمن به، منهم مرثد بن سعد الذي أسلم وكان يكتم إسلامه، فأريدت التفرقة بالوصف، ولم يكن في أشراف قوم نوح مؤمن، ونحوه قوله تعالى: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ} [المؤمنون: من الآية ٣٣] (٥)، ويجوز أن يكون وصفا واردا للذم لا غير) (٦).


(١) انظر: فتح البيان ج ٦/ ص ١٦٦، وحدائق الروح والريحان ج ١٢/ ص ٥٨.
(٢) نظم الدرر ج ٣/ ص ٤٩.
(٣) يعني قوله تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (٦٥) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٦٦)} [الأعراف: ٦٥ - ٦٦].
(٤) التحرير والتنوير ج ٨/ ص ١٤٧.
(٥) وتمامها: {وَقَالَ الْمَلَأُ … مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا … وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا … بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (٣٣)}
(٦) الكشاف ج ٢/ ص ١١٠.

<<  <   >  >>