للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وممن قال بهذا الاستنباط: الرازي، والبروسوي، والقنوجي، ومحمد أبو زهرة. (١).

٣ - تكرير اسم الإشارة {أولئك} لمزيد الثناء على المتقين، فكل من: الهدى، والفلاح مستقل، يتميزون بكل واحد منهما، فكيف وقد اجتمعا لهم (٢).

قال تعالى: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥)} البقرة: ٥.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (وفي تكرير اسم الإشارة دلالة على أن كلا من الهدى والفلاح المستقل بتميزهم به عن غيرهم، بحيث لو انفرد أحدهما لكفى تميزا على حاله) (٣).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني (٤) -رحمه الله- أن في قوله تعالى عن المتقين: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥)} ما يدل على مزيد الثناء عليهم، إذ أثنى الله عليهم بالهدى من ربهم وهو غاية المدح، وكذلك مدحهم بالفلاح، وكل من الهدى والفلاح مستقل، يتميزون به عن غيرهم، ولو مدحوا بأحدهما لكان دالا على تميزهم، فكيف وقد اجتمع لهم المدح والثناء بهما.

ووجه الاستنباط: تكرير اسم الإشارة {أولئك} الدال على أن كلتا الأثرتين: الهدى من الله، والفلاح جديرة بالاعتناء والتنويه، فلا تذكر إحداهما تبعا للأخرى، بل تخص بجملة (٥). ويستحقون بذلك الاستقلال بالتمكن في الهدى، والاستبداد بالفلاح، والاختصاص بكل منهما (٦). ويؤيده توسيط العاطف بين الجملتين (٧).


(١) انظر: التفسير الكبير ج ٢/ ص ٢٩، وروح البيان ج ١/ ص ٤٠، وفتح البيان ج ١/ ص ٨١، ٨٢، وزهرة التفاسير ج ١/ ص ١٠٨.
(٢) وهو استنباط في علوم القرآن (معنى التكرار).
(٣) فتح القدير ج ١/ ص ٣٧، ٣٨.
(٤) واستنبط غيره من الآية استنباطات أخرى، منها:
١) أتى بالحرف على في هذا الموضع الدالة على الاستعلاء وفي الضلالة يأتي ب في كما في قوله: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٢٤)} [سبأ: من الآية ٢٤]؛ لأن صاحب الهدى مستعل بالهدى، مرتفع به، وصاحب الضلال منغمس فيه محتقر. انظر: البرهان في علوم القرآن ج ٤/ ص ١٧٥، وتيسير الكريم الرحمن ص ٤١.
٢) على في قوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ} لبيان تمكنهم من الهدى، واستقرارهم عليه، وتمسكهم به، فكأنهم يسيرون على طريق واضح دون شك. انظر: الكشاف ج ١/ ص ٨٥، وأنوار التنزيل ج ٢/ ص ٣٢، وإرشاد العقل السليم ج ١/ ص ٣٤، وتيسير الكريم الرحمن ص ٤١، والتحرير والتنوير ج ١/ ص ٢٣٩، وزهرة التفاسير ج ١/ ص ١١٣، وتفسير سورة البقرة لابن عثيمين ج ١/ ص ٣١.
(٥) انظر: التحرير والتنوير ج ١/ ص ٢٤٣.
(٦) انظر: روح المعاني ج ١/ ص ١٢٥.
(٧) انظر: إرشاد العقل السليم ج ١/ ص ٣٤.

<<  <   >  >>