للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٩ - كل ما لم يرد فيه نص أو ظاهر من الأعيان الموجودة في الأرض فأصله الحل حتى يرد دليل يقتضي تحريمه (١).

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٦٨)} البقرة: ١٦٨.

قال الشوكاني -رحمه الله-: ( … وفي هذه الآية دليل على أن كل ما لم يرد فيه نص أو ظاهر (٢) من الأعيان الموجودة في الأرض فأصله الحل حتى يرد دليل يقتضي تحريمه.

وأوضح دلالة على ذلك من هذه الآية قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: ٢٩]) (٣).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني (٤) -رحمه الله- أن كل ما لم يرد فيه نص أو ظاهر من الأعيان الموجودة في الأرض الحل حتى يرد دليل يقتضي تحريمه (٥).

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى ذكر في مقام الامتنان أنه أباح للناس أن يأكلوا مما في الأرض، في حال كونه حلالا من الله، طيبا أي: مستطابا في نفسه، غير ضار للأبدان ولا للعقول (٦)؛ فدل ذلك بدلالة الالتزام على أن الأصل الإباحة.


(١) وهو استنباط قاعدة فقهية فرعية مندرجة تحت القاعدة العامة (اليقين لا يزول بالشك).
(٢) النص: هو ما يفيد بنفسه من غير احتمال، أو ما لا يحتمل إلا معنى واحدا. والظاهر: هو ما يسبق إلى الفهم منه عند الإطلاق معنى مع تجويز غيره، أو ما احتمل أمرين أحدهما أظهر من الآخر. انظر: روضة الناظر: ج ٢/ ص ٣١ - ٣٤، وشرح الورقات للمحلي ص ١٦٢، ١٦٣، وإرشاد الفحول ص ٤٠٢، ومذكرة في أصول الفقه ص ٢٨٧.
(٣) فتح القدير ج ١/ ص ١٦٧.
(٤) واستنبط غيره من الآية استنباطات أخرى، منها:
١) أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة؛ لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ}. انظر: تفسير سورة البقرة لابن عثيمين ج ٢/ ص ٢٣٥.
٢) مناسبة الآية لما قبلها: قبلها أنه سبحانه لما بين التوحيد ودلائله، وما للتائبين والعاصين؛ أتبع ذلك بذكر إنعامه وشمول رحمته؛ ليدل على أن الكفر لا يؤثر في قطع الأنعام. انظر: البحر المحيط ج ١/ ص ٦٧٩، وروح المعاني ج ٢/ ص ٣٨. …
٣) تقييد حل الأكل بالطيب منه يفيد تحريم النجس، كما يفيد تحريم المحرم والخبيث، وكم في النجس من جراثيم وأضرار. ويدل تقييد إباحة الأكل بالحلال والطيب على تحريم السحت كالرشوة والربا وغيره. انظر: صفوة الآثار والمفاهيم ج ٢/ ص ٥٢٦.
(٥) وقد تقدم مثل هذا الاستنباط عند قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى … السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٩)}.
(٦) انظر: تفسير القرآن العظيم ج ٢/ ص ٣٢، وتيسير الكريم الرحمن ص ٨٠.

<<  <   >  >>