للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثم ختم ابن بدران كلامه بقوله: (هذا ولما اطلع البقاعي على هذه الإشارة، وزين بها كتابه، وأطال بها، أقدم على ما ذكره سابقا من العطف، وانفتح له ذلك الباب المقفل) (١).

وممن تلمس مناسبة الآية لما قبلها: الآلوسي، قال: (والجملة -أي: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} - معطوفة على: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ} عطف القصة على القصة. والجامع أن الأولى مسوقة لإثبات نبوته -صلى الله عليه وسلم-، وهذه لإثبات وحدانيته تعالى) (٢).

وقال ابن عاشور: (والمناسبة أنه لما ذكر ما ينالهم على الشرك من اللعنة والخلود في النار بين أن الذين كفروا به وأشركوا هو إله واحد) (٣).

وقال الهرري: (لما كان كفر معظم الكفار المستحقين اللعنة والخلود في النار؛ لاتخاذهم آلهة مع الله؛ أخبر تعالى أن الإله واحد لا يتعدد، ولا يتجزأ، ولا مثيل له في صفاته، وحصر الإلهية فيه) (٤).

وما ذكروه جميعا مع ما ذكره الشوكاني جائز؛ إذ المناسبات لا تتزاحم كما أن النكات لا تتزاحم. لكن يضعف قولي الحرالي والبقاعي -والله أعلم- طول الفصل بين الآيات.

أما ما ذكره ابن عاشور، والهرري فهو ظاهر؛ لظهور اتصال الآيتين ببعضيهما.

والذي يظهر - والله أعلم- أن استنباط الشوكاني قريب؛ إذ هو منسجم مع سياق الآية وسباقها. لكن مع التنبه إلى أن الخطاب في قوله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} خطاب عام، ولا يصح اختصاصه بالكاتمين؛ فلا يفهم من وجود المناسبة بين آيتي {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ} و {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} أن الخطاب في الثانية للكاتمين.

قال الآلوسي: (وقيل: الخطاب للكاتمين -أي في قوله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} - وفيه انتقال عن زجرهم عما يعاملون رسولهم إلى زجرهم عن معاملتهم ربهم، حيث يكتمون وحدانيته ويقولون عزير وعيسى ابنا لله عز وجل. وفيه أنه وإن حسن الانتظام إلا أن فيه خروج شأن النزول عن الآية وهو باطل) (٥).


(١) جواهر الأفكار ومعادن الأسرار ص ٤١٨.
(٢) روح المعاني ج ٢/ ص ٢٩.
(٣) التحرير والتنوير ج ٢/ ص ٧٣.
(٤) حدائق الروح والريحان ج ٣/ ص ٧٢.
(٥) روح المعاني ج ٢/ ص ٢٩.

<<  <   >  >>