للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[سورة الزخرف]

١٨٨ - التنعم هو سبب إهمال النظر (١).

قال تعالى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (٢٣)} الزخرف: ٢٣.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (وخصص المترفين تنبيها على أن التنعم هو سبب إهمال النظر) (٢).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني- رحمه الله- أن التنعم هو سبب إهمال النظر.

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى لما ذكر تكذيب الأمم بالرسل خص بالذكر المترفين من عموم المكذبين؛ فدل هذا التخصيص على أن التنعم هو سبب إهمال النظر.

قال أبو السعود: (وتخصيص المترفين بتلك المقالة للإيذان بأن التنعيم، وحب الإطالة هو الذي صرفهم عن النظر إلى التقليد) (٣).

وممن قال بهذا الاستنباط: أبو السعود-كما تقدم-، والبروسوي، والآلوسي، والقنوجي، والقاسمي، والهرري (٤).

وفي هذا الاستنباط تحذير من المبالغة في التنعم، والانغماس في ملذات الدنيا؛ فإنها دافعة إلى النفرة من لوازم الدين، داعية إلى كره الحق وإنكاره.

١٨٩ - بطلان التقليد وقبحه (٥).

قال تعالى: {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (٢٢) وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (٢٣) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ … (٢٤)} الزخرف: ٢٢ - ٢٤.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (وهذا من أعظم الأدلة الدالة على بطلان التقليد وقبحه، فإن هؤلاء المقلدة في الإسلام إنما يعملون بقول أسلافهم، ويتبعون آثارهم، ويقتدون بهم، فإذا رام الداعي إلى الحق أن يخرجهم من ضلالة، أو يدفعهم عن بدعة قد تمسكوا بها، وورثوها عن أسلافهم بغير دليل نير ولا حجة واضحة، بل بمجرد قال وقيل لشبهة داحضة، وحجة زائفة، ومقالة باطلة قالوا بما قاله المترفون من هذه الملل {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (٢٣)} أو بما يلاقى معناه معنى ذلك. فإن قال لهم الداعي إلى الحق قد جمعتنا الملة الإسلامية، وشملنا هذا الدين المحمدي، ولم يتعبدنا الله ولا تعبدكم وتعبد آباءكم من قبلكم إلا بكتابه الذي أنزله على رسوله، وبما صح عن رسوله فإنه المبين لكتاب الله، الموضح لمعانيه، الفارق بين محكمه ومتشابهه، فتعالوا نرد ما تنازعنا فيه إلى كتاب الله وسنة رسوله كما أمرنا الله بذلك في كتابه بقوله:


(١) وهو استنباط تربوي، وهو استنباط فائدة علمية.
(٢) فتح القدير ج ٤/ ص ٥٥٢.
(٣) حدائق الروح والريحان ج ٢٦/ ص ٢١٣.
(٤) انظر: إرشاد العقل السليم ج ٨/ ص ٤٤، وروح البيان ج ٨/ ص ٣٩٩، ٤٠٠، وروح المعاني ج ٢٥/ ص ٧٥، وفتح البيان ج ١٢/ ص ٣٣٩، ومحاسن التأويل ج ٨/ ص ٣٨٥، وحدائق الروح والريحان ج ٢٦/ ص ٢١٣.
(٥) وهو استنباط أصولي.

<<  <   >  >>