للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (١) [النساء: ٥٩] فإن الرد إليهما أهدى لنا ولكم من الرد إلى ما قاله أسلافكم، ودرج عليه آباؤكم نفروا نفور الوحوش، ورموا الداعي لهم إلى ذلك بكل حجر ومدر، كأنهم لم يسمعوا قول الله سبحانه: {إِنَّمَا كَانَ … قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} (٢) [النور: من الآية ٥١]، ولا قوله: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٦٥)} [النساء: ٦٥] فإن قال لهم: القائل هذا العالم الذي تقتدون به، وتتبعون أقواله هو مثلكم في كونه متعبدا بكتاب الله وسنة رسوله، مطلوبا منه ما هو مطلوب منكم، وإذا عمل برأيه عند عدم وجدانه للدليل فذلك رخصة له لا يحل أن يتبعه غيره عليها، ولا يجوز له العمل بها، وقد وجدوا الدليل الذي لم يجده، وها أنا أوجدكموه في كتاب الله، أو فيما صح من سنة رسوله، وذلك أهدى لكم مما وجدتم عليه آباءكم قالوا: لا نعمل بهذا، ولا سمع لك ولا طاعة، ووجدوا في صدورهم أعظم الحرج من حكم الكتاب والسنة، ولم يسلموا ذلك، ولا أذعنوا له. وقد وهب لهم الشيطان عصى يتوكئون عليها عند أن يسمعوا من يدعوهم إلى الكتاب والسنة وهي أنهم يقولون: إن إمامنا الذي قلدناه واقتدينا به أعلم منك بكتاب الله وسنة رسوله؛ وذلك لأن أذهانهم قد تصورت من يقتدون به تصورا عظيما بسبب تقدم العصر، وكثرة الأتباع، وما علموا أن هذا منقوض عليهم، مدفوع به في وجوههم، فإنه لو قيل لهم: إن في التابعين من هو أعظم قدرا، وأقدم عصرا من صاحبكم، فإن كان لتقدم العصر، وجلالة القدر مزية حتى توجب الاقتداء فتعالوا حتى أريكم من هو أقدم عصرا، وأجل قدرا، فإن أبيتم ذلك ففي الصحابة -رضي الله عنهم- من هو أعظم قدرا من صاحبكم علما وفضلا وجلالة قدر، فإن أبيتم ذلك فها أنا أدلكم على من هو أعظم قدرا، وأجل خطرا، وأكثر أتباعا، وأقدم عصرا وهو محمد بن عبد الله نبينا ونبيكم، ورسول الله إلينا وإليكم، فتعالوا فهذه سنته موجودة في دفاتر الإسلام ودواوينه التي تلقتها جميع هذه الأمة قرنا بعد قرن، وعصرا بعد عصر، وهذا كتاب ربنا خالق الكل، ورازق الكل، وموجد الكل بين أظهرنا موجود في كل بيت، وبيد كل مسلم لم يلحقه تغيير، ولا تبديل، ولا زيادة، ولا نقص، ولا تحريف، ولا تصحيف، ونحن وأنتم ممن يفهم ألفاظه، ويتعقل معانيه، فتعالوا لنأخذ الحق من معدنه، ونشرب صفو الماء من منبعه، فهو أهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا: لا سمع ولا طاعة، إما بلسان المقال، أو بلسان الحال، فتدبر هذا وتأمله أن بقى فيك بقية من إنصاف، وشعبة من خير، ومزعة من حياء، وحصة من دين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وقد أوضحت هذا غاية الإيضاح في كتابي الذي سميته أدب الطلب ومنتهى الأرب فارجع إليه إن رمت أن تنجلي عنك ظلمات التعصب، وتتقشع لك سحائب التقليد) (٣).


(١) وتمامها: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ … تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (٥٩)}
(٢) وتمامها: {إِنَّمَا كَانَ … قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥١)}.
(٣) فتح القدير ج ٤/ ص ٥٥٢، ٥٥٣.

<<  <   >  >>