للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

٦٧ - دفع المفاسد أهم من جلب المصالح (١).

قال تعالى: {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٧٦)} المائدة: ٧٦.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (أمر الله سبحانه رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن يقول لهم هذا القول إلزاما لهم، وقطعا لشبهتهم، أي: أتعبدون من دون الله -متجاوزين إياه- ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا، بل هو عبد مأمور، وما جرى على يده من النفع أو دفع من الضر فهو بإقدار الله له وتمكينه منه وقدم سبحانه الضر على النفع؛ لأن دفع المفاسد أهم من جلب المصالح) (٢).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني -رحمه الله- قاعدة: أن دفع المفاسد أهم من جلب المصالح (٣).

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى أمر نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يقول للعابدين غير الله من سائر فرق بني آدم- ودخل في ذلك النصارى وغيرهم-: {أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا} أي: لا يقدر على دفع ضر عنكم ولا إيصال نفع إليكم (٤)، فدل بدلالة التقديم على أن دفع المفاسد أهم من جلب المصالح.

وممن قال بهذا الاستنباط: البيضاوي، وأبو السعود، والآلوسي، والقنوجي، والقاسمي. (٥).

ومما يستأنس به في تأييد هذا الاستنباط أن أكثر ما جاء في القرآن من لفظي الضر والنفع معا جاء بتقديم لفظ الضر على النفع (٦).

وقاعدة: درء المفسدة مقدّم على جلب المصلحة من القواعد المتفرعة عن القاعدة الكليّة "الضرر يزال" (٧)، وذلك لأنه عند الموازنة بين المصلحة والمفسدة، ودفع الضرر وإزالته لابد من التعرض للموازنة بين المصالح والمفاسد عند التعارض، وأيهما أولى بالتقديم دفعا وجلبا. ناهيك عن أن دفع المفسدة عبارة عن إزالة ضرر (٨).


(١) وهو استنباط قاعدة فقهية فرعية مندرجة تحت القاعدة العامة (لا ضرر ولا ضرار).
(٢) فتح القدير ج ٢/ ص ٦٥.
(٣) واستنبط الشوكاني هذا الاستنباط من الآية ٣ من سورة الفرقان، وسيأتي بيانها.
(٤) انظر: تفسير القرآن العظيم ج ٣/ ص ٤٤٢.
(٥) انظر: أنوار التنزيل ج ٢/ ص ٣٥٤، وإرشاد العقل السليم ج ٣/ ص ٦٨، وروح المعاني ج ٦/ ص ٢١٠، وفتح البيان ج ٤/ ص ٢٩، ومحاسن التأويل ج ٤/ ص ٢١٧.
(٦) ذكر الكرماني أن أكثر ما جاء في القرآن من لفظي الضر والنفع معا جاء بتقديم لفظ الضر على النفع. وحيث تقدم النفع على الضر تقدم لسابقة لفظ تضمن نفعا، وذلك في ثمانية مواضع، ثلاثة منها بلفظ الاسم وهي: الأعراف: ١٨٨، والرعد: ١٦، وسبأ: ٤٢. وخمسة بلفظ الفعل وهي في: الأنعام: ٧١، وآخر في يونس: ١٠٦، وفي الأنبياء: ٦٦، والفرقان: ٥٥، وفي الشعراء: ٧٣. ثم بسط الكرماني القول في كل آية منها مبينا وجه تقديم النفع على الضر، ثم قال: (فتأمل فإنه برهان القرآن). أسرار التكرار ص ٩٢، ٩٣.
(٧) القواعد الخمس الكبرى هي: الأمور بمقاصدها، واليقين لا يزول بالشك، والمشقة تجلب التيسير، والعادة محكمة، والضرر يزال أو لا ضرر و لا ضرار. راجع تفصيلاتها في كتاب: القواعد الفقهية الكبرى وما تفرع عنها للدكتور صالح السدلان.
(٨) انظر بحث: قاعدة "درء المفسدة مقدّم على جلب المصلحة": دراسة أصوليّة فقهيّة للدكتور حسن بن إبرهيم الهنداوي ص ٣.

<<  <   >  >>