للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى أمر رسوله -صلى الله عليه وسلم- بالتبليغ، ووعده بأن يعصمه، فكأن بين التبليغ والعصمة تلازما؛ فدل ذلك على أن -من سبقت له العناية من الله- من المبلغين رسالات الله يعصمهم الله.

فيكون في الآية إشارة إلى المبلِّغين رسالات الله، ألا يخشوا أحداً إلا الله، وفيها بشارة لهم بأن الله ينتقم من أعدائهم، ويُضِل سعيهم في إيقاف دعوتهم كما فعل الله بأعداء الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وأن من امتثل لأمر الخالق يعصمه الله من شر المخلوق (١).

واحترز الشوكاني بقوله: من سبقت له العناية من الله، أي: من كتب الله تعالى له الحفظ والعصمة.

ولأن المرء لا يدري بما كتب الله له فعليه التبليغ، فهو بين أمرين: إما أن يعصمه الله، أو أن يكون قد كتب الله له أن يناله من الأذى ما به ترتفع درجته، وتعلو عند ربه منزلته.

وهذا الاستنباط نقله القنوجي (٢). وأشار إليه البروسوي بقوله: (وفي الآية إشارة إلى أن من امتثل لأمر الخالق يعصمه الله من مضرة المخلوق) (٣).

والتلازم بين التبليغ والعصمة يدل عليه قوله تعالى: {قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (٣٥)} [القصص: ٣٥]. قال ابن كثير: ({فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا} أي لا سبيل لهم إلى الوصول إلى أذاكما بسبب إبلاغكما آيات الله كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} إلى قوله: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}) (٤).

وفي هذا الاستنباط باعث لكل مسلم على الجد في أمر التبليغ، وعدم الاكتراث بعداوات الأعداء وكيدهم.


(١) راجع مقال بعنوان: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} للدكتور عبد العزيز كامل، مجلة البيان، ص ٢٠، ٢١.
(٢) انظر: فتح البيان ج ٤/ ص ١٩، ٢٠.
(٣) روح البيان ج ٢/ ص ٤٢٤.
(٤) تفسير القرآن العظيم ج ٦/ ص ٢١.

<<  <   >  >>