للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[الدراسة]

استنبط الشوكاني-رحمه الله- من الآية أنه يجوز لمن وثق من نفسه بالقيام بالحق تولي الأعمال من جهة السلطان الجائر بل الكافر.

ووجه الاستنباط: أنه لما ظهر للملك أحوال يوسف -عليه السلام- رغب أن يتخذه لنفسه فقال: {ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (٥٤)} [يوسف: من الآية ٥٤]، فلم يمتنع يوسف -عليه السلام- بل طلب من الملك الولاية، والملك يومها كان كافرا؛ فدل بدلالة الاقتداء بأفعال الأنبياء على أنه يجوز لمن وثق من نفسه بالقيام بالحق تولي الأعمال من جهة السلطان الجائر بل الكافر.

وهذا الاستنباط على أن الملك يومها كان كافرا.

قال ابن جزي: ({قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ} لما فهم يوسف من الملك أنه يريد تصريفه والاستعانة به قال له ذلك، وإنما طلب منه الولاية رغبة منه في العدل، وإقامة الحق والإحسان وكان هذا الملك كافرا، ويستدل بذلك على أنه يجوز للرجل الفاضل أن يعمل للرجل الفاجر إذا علم أنه يصلح بعض الأحوال. وقيل: إن الملك أسلم (١) (٢).

وممن قال بهذا الاستنباط: ابن عطية، والقرطبي، والبيضاوي، والنسفي، وابن جزي-كما تقدم-، والقنوجي، والهرري. (٣).

والتولي من يد الكافر يجوز إذا علم أنه لا سبيل إلى إقامة الحق وسياسة الخلق إلا بالاستظهار به.

قال النسفي: (وفيه دليل على أنه يجوز أن يتولى الإنسان عمالة من يد سلطان جائر، وقد كان السلف يتولون القضاء من جهة الظلمة، وإذا علم النبي أو العالم أنه لا سبيل إلى الحكم بأمر الله، ودفع الظلم إلا بتمكين الملك الكافر أو الفاسق فله أن يستظهر به) (٤).

ويشترط للعمل عند الفاجر، والكافر ألا يكون عمله بحسب اختيار الفاجر وشهواته وفجوره، فلا يجوز له ذلك.

قال ابن عطية: قال بعض أهل التأويل: في هذه الآية ما يبيح للرجل الفاضل أن يعمل للرجل الفاجر بشرط أن يعلم أنه يفوض إليه في فصل ما لا يعارض فيه، فيصلح منه ما شاء، وأما إن كان عمله بحسب اختيار الفاجر وشهواته وفجوره فلا يجوز له ذلك.


(١) أخرج ابن جرير عن مجاهد قال: أسلم الملك الذي كان معه يوسف -عليه السلام-. انظر: جامع البيان ج ١٢/ ص ٢٢٢. وانظر: الدر المنثور ج ٤/ ص ٥٥١.
(٢) التسهيل لعلوم التنزيل ج ٢/ ص ١٢٢.
(٣) انظر: المحرر الوجيز ص ١٠٠٢، والجامع لأحكام القرآن ج ٩/ ص ١٨٣، وأنوار التنزيل ج ٣/ ص ٢٩٥، ومدارك التنزيل ج ٢/ ص ٣٢٦، والتسهيل لعلوم التنزيل ج ٢/ ص ١٢٢، وفتح البيان ج ٦/ ص ٣٥٨، وحدائق الروح والريحان ج ١٤/ ص ١٤.
(٤) مدارك التنزيل ج ٢/ ص ٣٢٦.

<<  <   >  >>