للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[ب - علاقة الاستنباط بالتفسير]

إذا كان التفسير: هو بيان معاني القرآن الكريم (١)؛ فإن بينه وبين الاستنباط وجه شبه، كما أن بينهما أوجه اختلاف.

[أولا: وجه الشبه]

يُعد الاستنباط من أشد علوم القرآن ارتباطا بعلم التفسير، فهو يتفق مع التفسير في أنهما بيان للمعنى، ثم يفترقان في المعنى المُبَيَّن في كل منهما، فللتفسير المعنى الظاهر المباشر، وللاستنباط ما وراءه من المعاني الزائدة، وكلاهما من أجلِّ علوم القرآن الكريم، وألصقها بألفاظه (٢).

ولشدَّة هذا الارتباط أُلحِق به في بيان علم التفسير وموضوعاته، فلا يكاد يخلو كتاب من كتب التفسير من استنباط من الآيات.

وربما توسع بعض العلماء فسمَّاه تفسيرا، وذلك حين يرتقي هذا المعنى المستنبط الباطن في شدة قربه وظهوره من المعنى الظاهر، وربما أريد معه، فمن هنا يتوجه تسميته تفسيرا لارتباطه بمعنى الآية من هذا الجانب.

قال ابن عاشور: (وموضوع التفسير: ألفاظ القرآن من حيث البحث عن معانيه، وما يستنبط منه) (٣). فالاستنباط بهذه المثابة قسيمٌ لبيان المعاني؛ وذلك بالنظر إلى جمهرة معلومات كتب التفسير التي يذكرها المفسر.

والمقصود من أن المعنى المستنبط الباطن ربما يراد مع المعنى الظاهر للآية إنما هو لشدة قرب المعنى المستنبط وظهوره؛ إذ قد يرتفع المعنى الباطن البعيد فيكون مرادا مع المعنى الظاهر القريب لاشتراكهما في الصحة، والقبول، والدلالة، لكن لا يصل المعنى الباطن بحال إلى أن يكون مرادا دون المعنى الظاهر لئلا يكون الإغراق في معاني باطنة باطلة لا يقبلها نقل صحيح ولا عقل صريح، وكي لا يؤول التفسير إلى دعاوى ليست من الظاهر، ولا من الباطن الصحيح في شيء. (٤).

ومما يدل على أن المعنى المستنبط الباطن ربما يراد مع المعنى الظاهر قول السعدي: (لا يكون المتدبر مقتصرا على مجرد معنى اللفظ بمفرده، بل ينبغي له أن يتدبر معنى اللفظ، فإذا فهمه فهما صحيحا على وجهه؛ نظر بعقله إلى ذلك الأمر، والطرق الموصلة إليه، وما لا يتم إلا به، وما يتوقف عليه، وجزم بأن الله أراده كما يجزم أنه أراد المعنى الخاص الدال عليه اللفظ، والذي يوجب الجزم له بأن الله أراده أمران: أحدهما: معرفته، وجزمه بأنه من توابع المعنى، والمتوقف عليه. والثاني: علمه بأن الله بكل شيء عليم، وأن الله أمر عباده بالتدبر والتفكر في كتابه، وقد علم تعالى ما يلزم من تلك المعاني وهو المخبر بأن كتابه هدى ونور وتبيان لكل شيء، وأنه أفصح الكلام وأجله إيضاحا) (٥).


(١) أصول في التفسير لابن عثيمين ص ٢٨.
(٢) انظر: معالم الاستنباط في التفسير ص ٢٢، ٢٣.
(٣) التحرير والتنوير ج ١/ ص ١٠.
(٤) انظر: معالم الاستنباط في التفسير ص ٢٢ و ٢٤، ٢٥.
(٥) تيسير الكريم الرحمن ص ٧٣٣.

<<  <   >  >>