للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الاستنباط فات القضاء في معظم الأحكام النازلة أو في بعضها والله أعلم) (١).

وقال الجصاص (٢): (وفي هذه الآية-يعني قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (٨٣)} - دلالة على وجوب القول بالقياس واجتهاد الرأي في الأحكام الحوادث؛ وذلك لأنه أمر برد الحوادث إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حياته إذا كانوا بحضرته، وإلى العلماء بعد وفاته والغيبة عن حضرته -صلى الله عليه وسلم-، وهذا لا محالة فيما لا نص فيه؛ لأن المنصوص عليه لا يحتاج إلى استنباطه؛ فثبت بذلك أن من أحكام الله ما هو منصوص عليه، ومنها ما هو مودع في النص قد كلفنا الوصول إلى الاستدلال عليه واستنباطه، فقد حوت هذه الآية معاني: منها أن في أحكام الحوادث ما ليس بمنصوص عليه، بل مدلول عليه، ومنها أن على العلماء استنباطه، والتوصل إلى معرفته برده إلى نظائره من المنصوص) (٣). (٤).

الخامس: أن الاستنباط سبب لتحصيل العلم العظيم، قال السعدي: (لا يكون المتدبر مقتصرا على مجرد معنى اللفظ بمفرده، بل ينبغي له أن يتدبر معنى اللفظ، فإذا فهمه فهما صحيحا على وجهه؛ نظر بعقله إلى ذلك الأمر، والطرق الموصلة إليه، وما لا يتم إلا به، وما يتوقف عليه، وجزم بأن الله أراده كما يجزم أنه أراد المعنى الخاص الدال عليه اللفظ، والذي يوجب الجزم له بأن الله أراده أمران: أحدهما: معرفته، وجزمه بأنه من توابع المعنى، والمتوقف عليه. والثاني: علمه بأن الله بكل شيء عليم، وأن الله أمر عباده بالتدبر والتفكر في كتابه، وقد علم تعالى ما يلزم من تلك المعاني وهو المخبر بأن كتابه هدى ونور وتبيان لكل شيء، وأنه أفصح الكلام وأجله إيضاحا، فبذلك يحصل للعبد من العلم العظيم، والخير الكثير بحسب ما وفقه الله له. وقد كان في تفسيرنا هذا كثير من هذا منَّ به الله علينا، وقد يخفى في بعض الآيات مأخذه على غير المتأمل صحيح الفكرة) (٥). (٦).


(١) شرح النووي على صحيح مسلم ج ١١/ ص ٥٧، ٥٨.
(٢) هو أحمد بن علي، أبو بكر، الرازي الجصاص الحنفي، درس الفقه على كبار الحنفية في عصره، كان زاهدًا ورعًا جمع إلى العلم الصلاح والتقوى،. وكان جادًا في طلب العلم حتى صار إمام الحنفية في عصره ببغداد، توفي ببغداد سنة سبعين وثلاثمائة، أو ست وسبعين وثلاثمائة للهجرة. انظر: طبقات المفسرين للداودي ج ١/ ص ٥٥، وشذرات الذهب ج ٣/ ص ٧٢.
(٣) أحكام القرآن ج ٣/ ص ١٨٣.
(٤) انظر: معالم الاستنباط في التفسير ص ٢٣، ٢٤، واستنباطات الشيخ عبد الرحمن السعدي من القرآن ص ١٤.
(٥) تيسير الكريم الرحمن ص ٧٣٣.
(٦) انظر: استنباطات الشيخ عبد الرحمن السعدي من القرآن ص ١٤.

<<  <   >  >>