للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال ابن القيم: (وقد مدح الله تعالى أهل الاستنباط في كتابه، وأخبر أنهم أهل العلم) (١).

ومما يدل على أهمية الاستنباط أيضا أمور:

الأول: اعتناء المفسرين به.

فقد اعتنى العلماء بالاستنباط من القرآن عناية بالغة تدل على أهميته، ومكانته عندهم. فلا يكاد يوجد كتاب من كتب التفسير-قديما وحديثا- إلا ويتضمن عددا كبيرا من الاستنباطات (٢).

الثاني: تنوع المعاني المستنبطة، وانتفاع الناس بها، فالمعنى المستنبط قد يكون حكما فقهيا، أو عقديا، أو أدبا أخلاقيا، أو فائدة تربوية، أو فائدة علمية، أو غير ذلك مما ينفع الناس في دينهم ودنياهم.

الثالث: أن الاستنباط سبيل إلى إعطاء ألفاظ القرآن حقَّها، وتوفيتها ما لها من المعاني.

قال ابن القيم: (الواجب فيما علَّقَ عليه الشارعُ الأحكامَ من الألفاظ والمعاني أن لا يُتَجَاوَز بألفاظها ومعانيها، ولا يُقْصَر بِها، ويعطي اللفظ حقه والمعنى حقه، وقد مدح الله تعالى أهل الاستنباط في كتابه، وأخبر أنهم أهل العلم) (٣)، ومن حق اللفظ والمعنى استيعاب المعاني الصحيحة المتعلقة بهما من جهة نِدِّ المعنى ولوازمه وأشباهه ونظائره. (٤).

الرابع: أن المعاني المأخوذة بالاستنباط أكثر من معاني الألفاظ المباشرة، بل إن من أحكام الحوادث ما لا يُعرَفُ بالنصِّ وإنما بالاستنباط، وكم من سر وحكم نبهت عليهما الإشارة، ولم تبينهما العبارة (٥). فليس كل حكم يؤخذ من اللفظ، بل أكثرها تؤخذ من جهة المعاني والاستنباط من النصوص إذ الألفاظ محصورة، ومعانيها محددة، والوقائع والمناسبات متجددة، وقد أنْزل الله تعالى كتابه الكريم صالحا لكل زمان ومكان، وتبيانا لكل شيء يتوقف عليه التكليف والتعبد، وتستقيم به حياة الناس؛ من العلوم الشرعية، والحقائق العقلية، وقد أبان عن هذا ابن عاشور: -في حديثه عن المقصد الأول من مقاصد القرآن الكريم-: (كونه شريعة دائمة، وذلك يقتضي فتح أبواب عباراته لمختلف استنباط المستنبطين؛ لتؤخذ منه أحكام الأولين والآخرين) (٦).

والعناية بالاستنباط واجب مطلوب. قال النووي (٧): (فالاعتناء بالاستنباط من آكد الواجبات المطلوبة؛ لأن النصوص الصريحة لا تفي إلا بيسير من المسائل الحادثة، فإذا أهمل


(١) إعلام الموقعين ج ١/ ص ٢٢٥.
(٢) انظر: منهج الاستنباط من القرآن الكريم ص ٨.
(٣) إعلام الموقعين ج ١/ ص ٢٢٥.
(٤) انظر: معالم الاستنباط في التفسير ص ٢٣، ٢٤.
(٥) انظر: روح المعاني ج ٦/ ص ١٩١.
(٦) التحرير والتنوير ج ٣/ ص ١٨.
(٧) هو الإمام، الفقيه، الحافظ، محيي الدين، أبو زكريا، يحيى بن شرف، صنف التصانيف النافعة في الحديث والفقه وغيرها، كشرح مسلم، ورياض الصالحين، مات سنة ست وسبعين وستمائة. انظر: تذكرة الحفاظ للقيسراني ج ٤/ ص ١٤٧٠، وطبقات الحفاظ للسيوطي ص ٥١٣.

<<  <   >  >>