للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال السعدي: (وكثيرا ما يقرن بين خلقه للخلق وإثبات علمه كما في هذه الآية - {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى … السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٩)} -، وكما في قوله تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤)} [الملك: ١٤]؛ لأن خلقه للمخلوقات أدل دليل على علمه وحكمته وقدرته) (١).

وممن قال باستنباط الشوكاني: أبو حيان، والقرطبي، وكذلك السيوطي، والسعدي كما تقدم. (٢).

٧ - لما كان سؤال الملائكة عن الخليفة في الأرض واقعا على صفة تستلزم إثبات شيء من العلم لأنفسهم؛ ناسب أن يجيبهم الله سبحانه بقوله: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٣٠)} (٣).

قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٣٠)} البقرة: ٣٠.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (ولما كان سؤالهم واقعا على صفة تستلزم إثبات شيء من العلم لأنفسهم؛ أجاب الله سبحانه عليهم بقوله: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٣٠)}.

وفي هذا الإجمال ما يغني عن التفصيل؛ لأن من علم ما لا يعلم المخاطب له كان حقيقا بأن يسلم له ما يصدر عنه. وعلى من لا يعلم أن يعترف لمن يعلم بأن أفعاله صادرة على ما يوجبه العلم وتقتضيه المصلحة الراجحة، والحكمة البالغة) (٤).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني (٥) -رحمه الله- مناسبة ختم الآية بقوله تعالى: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}


(١) تيسير الكريم الرحمن ص ٤٨.
(٢) انظر: البحر المحيط ج ١/ ص ١٩٧، والجامع لأحكام القرآن ج ١/ ص ٣٠٢، وقطف الأزهار ج ١/ ص ٢٢٥، ٢٢٦، والإتقان ج ٢/ ص ٢٧٥، ٢٧٦، والقواعد الحسان ص ٥٣.
(٣) وهو استنباط في علوم القرآن (لتعلقه بالمناسبة).
(٤) فتح القدير ج ١/ ص ٦٣.
(٥) واستنبط غيره من الآية استنباطات أخرى، منها:
١) هذه الآية أصل في نصب إمام وخليفة يسمع له ويطاع؛ لتجتمع به الكلمة، وتنفذ به أحكام الخليفة. انظر: الجامع لأحكام القرآن ج ١/ ص ٣٠٥، وأضواء البيان ج ١/ ص ٥٨.
٢) تخصيص سفك الدم بعد التعميم بذكر الفساد لبيان شدة مفسدة القتل. انظر: تيسير الكريم الرحمن ص ٤٨.
٣) إثبات القول لله عز وجل، وأنه بحرف وصوت، وهذا مذهب السلف الصالح، فالله يتكلم بما شاء متى شاء كيف شاء. تفسير سورة البقرة لابن عثيمين ج ١/ ص ١١٦.
٤) وصف الإنسان نفسه بما فيه من الخير لا بأس به إذا كان المقصود مجرد الخبر دون الفخر لقوله: (ونحن نسبح بحمدك)، ويؤيد ذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أنا سيد ولد آدم ولا فخر"، وأما إذا كان المقصود الفخر، وتزكية النفس بهذا فلا يجوز. تفسير سورة البقرة لابن عثيمين ج ١/ ص ١١٨. وقد ذكر جملة من الاستنباطات النافعة.

<<  <   >  >>