للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الرابع: لما كفر أهل الكتاب بمحمد -صلى الله عليه وسلم- حسدا أخبرهم الله تعالى بخبر ابن آدم، وأن الحسد أوقعه في سوء العاقبة، والمقصود منه التحذير عن الحسد (١).

وهذه المناسبات -والله أعلم- لا تسلم من التكلف إلا ما ذكره أبو حيان وابن عاشور؛ لقرب اتصال الآيات. أما ما ذكره السيوطي، والرازي ففيه نوع من التكلف؛ لطول الفصل بين الآيات.

٦٣ - توبة المحارب بعد القدرة عليه لا تسقط بها عقوبة الحرابة (٢).

قال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٣٣) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٤)} المائدة: ٣٣ - ٣٤.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (وأما التوبة بعد القدرة فلا تسقط بها العقوبة المذكورة في الآية كما يدل عليه ذكر قيد {قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا}) (٣).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني (٤) -رحمه الله- أن توبة المحارب بعد القدرة عليه لا تسقط بها عقوبة الحرابة.


(١) انظر: التفسير الكبير ج ١١/ ص ١٦٠.
(٢) وهو استنباط فقهي.
(٣) فتح القدير ج ٢/ ص ٣٦.
(٤) واستنبط غيره من الآية أن سائر الحدود كحد الزنا، والسرقة وما أشبه ذلك يلحق بحد الحرابة بقياس الأولى، فإذا أسقطت توبة المحارب قبل القدرة عليه حد الحرابة عنه على عظم جرمه؛ فما دونه من الحدود من باب أولى. انظر: تيسير الكريم الرحمن ص ٢٣٠، وتفسير سورة المائدة لابن عثيمين ج ١/ ص ٣٢٨.
وخالف في هذا ابن العربي، والسيوطي، وابن عاشور، وغيرهم. قال السيوطي: توبة المحارب قبل القدرة عليه تسقط العقوبة عنه بخلاف توبة غيره من العصاة. انظر: الإكليل ج ٢/ ص ٦٣٢. وقال ابن عاشور: قال جمهور العلماء: توبة السارق تسقط القطع ولو جاء تائبا قبل القدرة عليه. ويدل لصحة قولهم أن النبي قطع يد المخزومية و شك أنها تائبة) التحرير والتنوير ج ٥/ ص ١٠١. وردَّ ابن العربي هذا الاستنباط مبينا دليله بقوله: وقد قال بعض الشافعية: إن التوبة تسقط حقوق الله وحدوده، وعزوه إلى الشافعي قولا، وتعلقوا بقول الله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} وذلك استثناء من الوجوب؛ فوجب حمل جميع الحدود عليه. وقال علماؤنا هذا بعينه هو دليلنا؛ لأن الله سبحانه وتعالى لما ذكر حد المحارب قال: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} وعطف عليه حد السارق وقال فيه: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٩)} [المائدة: ٣٩] فلو كان مثله في الحكم ما غاير الحكم بينهما … ألم تروا إلى المحارب المستبد بنفسه المجترئ بسلاحه، الذي يفتقر الإمام معه إلى الإيجاف بالخيل والركاب كيف أسقط جزاءه بالتوبة استنزالا عن تلك الحالة كما فعل بالكافر في مغفرة جميع ما سلف استئلافا على الإسلام، فأما السارق والزاني وهم في قبضة المسلمين وتحت حكم الإمام فما الذي يسقط عنهم ما وجب عليهم! أو كيف يجوز أن يقال على المحارب وقد فرقت بينهما الحالة والحكمة. انظر: أحكام القرآن ج ٢/ ص ٧٨.

<<  <   >  >>