للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٤ - ينبغي تجنب الألفاظ المحتملة للسب والنقص وإن لم يقصد المتكلم بها ذلك المعنى المفيد للشتم؛ سدا للذريعة ودفعا للوسيلة وقطعا لمادة المفسدة والتطرق إليه (١).

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٠٤)} البقرة: ١٠٤.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (وجه النهي عن ذلك أن هذا اللفظ كان بلسان اليهود سباً. قيل: إنه في لغتهم بمعنى اسمع لا سمعت. وقيل: غير ذلك.

فلما سمعوا المسلمين يقولون للنبي -صلى الله عليه وسلم- راعنا طلبا منه أن يراعيهم -من المراعاة- اغتنموا الفرصة وكانوا يقولون للنبي -صلى الله عليه وسلم- كذلك مظهرين أنهم يريدون المعنى العربي، مبطنين أنهم يقصدون السب الذي هو معنى هذا اللفظ في لغتهم.

وفي ذلك دليل على أنه ينبغي تجنب الألفاظ المحتملة للسب والنقص وإن لم يقصد المتكلم بها ذلك المعنى المفيد للشتم؛ سدا للذريعة ودفعا للوسيلة وقطعا لمادة المفسدة والتطرق إليه.

ثم أمرهم الله بأن يخاطبوا النبي -صلى الله عليه وسلم- بما لا يحتمل النقص ولا يصلح للتعريض فقال:{وَقُولُوا انْظُرْنَا} أي: أقبل علينا، وانظر إلينا … ) (٢).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني (٣) -رحمه الله- أنه ينبغي تجنب الألفاظ المحتملة للسب والنقص، وإن


(١) وهو استنباط تربوي.
(٢) فتح القدير ج ١/ ص ١٢٤.
(٣) واستنبط بعض المفسرين من الآية استنباطات أخرى، منها: …
١) في الآية دليل على سد الذرائع. ووجهه أن الله تعالى نهى عن قول راعنا: وهو قول مباح، لكنهم منعوا منه؛ لأن فيه تشبها بالمعنى الفاسد الذي قصده اليهود حيث كانوا يقولون ذلك، وهي سب بلغتهم، فلما علم الله ذلك منهم منع من إطلاق ذلك اللفظ؛ لأنه ذريعة للسب. انظر: الجامع لأحكام القرآن ج ١/ ص ٥٦، ٥٧، وروح البيان ج ١/ ص ٢٠٠، وتيسير الكريم الرحمن ص ٦١، والتحرير والتنوير ج ١/ ص ٦٣٤، وزهرة التفاسير ج ١/ ص ٣٤٧.
٢) تضمن النهي عن قول: "راعنا" النهي عن كل ما فيه استواء مع النبي -صلى الله عليه وسلم-. انظر: البحر المحيط ج ١/ ص ٤٨٨. ووجهه: أن لفظ راعنا مفاعلة أي: أرعنا نرعك. قال الرازي: راعنا مفاعلة من الرعي بين اثنين فكان هذا اللفظ موهما للمساواة بين المخاطبين. انظر: التفسير الكبير ج ٣/ ص ٢٠٣.
قال الشيخ عبد الرحمن الدوسري: "لاشك أن من يعامل أستاذه ومرشده معاملة المساواة في القول والعمل؛ يقل اهتمامه له، وتزول هيبته من نفسه حتى تقل استفادته منه، أو يكون محروما من علمه، لأن المدار في التربية الدراسية على الاحترام وحسن التأسي والقدوة، وأي شخص تراه في المعلومات مثلك أو أقل؛ فإنك لا ترتضيه إماما وقدوة، أما من رأيته فوقك في العلم والكمال؛ فإنك ترغب في إمامته وأخذ العلم عنه، وحينئذ لابد من احترامه، فكيف إذا كان المعلم سيد المرسلين -صلى الله عليه وسلم-، ولذلك نهى الله الصحابة التكلم بلفظ (راعنا) إجلالا لمقام النبوة؛ لئلا يجرهم الأنس به والطمع بكرم أخلاقه إلى تعدي حدود الأدب الواجب معه، الذي لا تكمل التربية إلا بكماله، كما نهاهم فوق ذلك عن رفع أصواتهم فوق صوته الشريف، والجهر له بالقول كجهر بعضهم لبعض، محذرا لهم من حبوط أعمالهم، والعياذ بالله". صفوة الآثار والمفاهيم ج ٢/ ص ٣١٦.
٣) ينبغي لمن نهى عن شيء أن يدل الناس على بدله المباح؛ فلا ينهاهم، ويجعلهم في حيرة.
ووجه: الاقتداء بأفعال الله تعالى؛ لأن الله نهى عن لفظ (راعنا) وأمر بغيره. انظر: تفسير سورة البقرة للشيخ ابن عثيمين ج ١/ ص ٣٣٩.

<<  <   >  >>