للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

• المبحث الثالث:

الاستنباط باعتبار الإفراد والتركيب.

لا يقتصر الاستنباط من القرآن الكريم على التأمل في الآيات على جهة الإفراد، بل يمكن استخراج المعاني البديعة، والفوائد الدقيقة بطريق آخر لطيف ألا وهو ضم النصوص بعضها إلى بعض، وهو قسم رفيع دقيق برز فيه علم العلماء من السلف والخلف -رحمهم الله- وتبيَّن به مقدار ما وهبهم الله تعالى من ذكاء العقول وزكاء النفوس (١).

وقد أشار الزركشي إلى الاستنباط باعتبار الإفراد، وباعتبار التركيب بقوله: (والثاني: ما يؤخذ بطريق الاستنباط، ثم هو على قسمين:

أحدهما: ما يستنبط من غير ضميمة إلى آية أخرى … والثاني: ما يستنبط مع ضميمة آية أخرى) (٢).

[أولا: الاستنباط باعتبار الإفراد.]

المراد من الاستنباط باعتبار الإفراد هو الاستنباط من النص الواحد دون الرجوع إلى نصوص أخرى. والاستنباط من نص واحد هو غالب استنباطات الشوكاني.

[أمثلة على الاستنباط باعتبار الإفراد.]

[المثال الأول]

استنبط الشوكاني من قوله تعالى: {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (٧٦)} [يوسف: ٧٦]، قال -رحمه الله-: (وفي الآية دليل على جواز التوصل إلى الأغراض الصحيحة بما صورته صورة الحيلة والمكيدة إذا لم يخالف ذلك شرعا ثابتا) (٣).

[المثال الثاني]

استنبط الشوكاني من قوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٢٩)} [القصص: ٢٩]، قال -رحمه الله-: (وسار بأهله إلى مصر، وفيه دليل على أن الرجل يذهب بأهله حيث شاء) (٤).


(١) منهج الاستنباط من القرآن ص ١٢٤.
(٢) البرهان في علوم القرآن ج ٢/ ص ١٣٠.
(٣) فتح القدير ج ٣/ ص ٤٣. وانظر هذا الاستنباط برقم: ١١٥.
(٤) فتح القدير ج ٤/ ص ١٦٩. وانظر هذا الاستنباط برقم: ١٧٣.

<<  <   >  >>