للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكلا القولين -والله أعلم- صحيح باعتبار.

فالأول صحيح على أن التوبة هي الرجوع إلى العمل بطاعة الله، والعمل لله لا يكون عملا له إلا بعد ترك الشرك به، فلابد من الاستغفار من الشرك أولا (١).

ولذلك أخر الغاية، وقدم الوسيلة. قال ابن عاشور: (لأن الاعتراف بفساد ما هم فيه من عبادة الأصنام أهم من طلب المغفرة؛ فإن تصحيح العزم على عدم العودة إليها هو مسمى التوبة. وهذا ترغيب في نبذ عبادة الأصنام، وبيان لما في ذلك من الفوائد في الدنيا والآخرة) (٢).

والثاني صحيح باعتبار أنه لا سبيل إلى طلب المغفرة من عند الله إلا بإظهار التوبة.

وفي استنباط الشوكاني ما يدل على أهمية التوبة بجعلها غاية يتوسل إليها بالاستغفار.

والأمر بالاستغفار ثم التوبة تكرر في ثلاثة مواضع من هذه السورة، أولها على لسان هود -عليه السلام-، قال تعالى: {وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (٥٢)} [هود: ٥٢].

وعلى لسان صالح -عليه السلام-، قال تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ … وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (٦١)} [هود: ٦١].

وعلى لسان شعيب -عليه السلام-، قال تعالى: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (٩٠)} [هود: ٩٠].

١٠٦ - مناسبة ذكر أن الله لا يغفل عن كل حيوان باعتبار ما قسمه له من الرزق بعد ذكر علمه سبحانه بما يسره الكفار وما يعلنونه أنه لما كان لا يغفل عن رزق كل حيوان فكيف يغفل عن أحوالهم وأقوالهم وأفعالهم (٣).

قال تعالى: {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٥) وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٦)} هود: ٥ - ٦.


(١) انظر: جامع البيان ج ١٢/ ص ٣١٢، ٣١٣.
(٢) التحرير والتنوير ج ١١/ ص ٢٠٢.
(٣) وهو استنباط في علوم القرآن (لتعلقه بالمناسبة)، واستنباط عقدي لتعلقه بالربوبية.

<<  <   >  >>