للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال الشوكاني -رحمه الله-: (والمراد بهذا الابتلاء اختبار طاعتهم، فمن أطاع في ذلك الماء أطاع فيما عداه، ومن عصى في هذا وغلبته نفسه فهو بالعصيان في سائر الشدائد أحرى. ورخص لهم في الغرفة؛ ليرتفع عنهم أذى العطش بعض الارتفاع، وليكسروا نزاع النفس في هذه الحال. وفيه أن الغرفة تكف سورة العطش عند الصابرين على شظف العيش، الدافعين أنفسهم عن الرفاهية) (١).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني أن غرفة الماء تكف سورة العطش عند الصابرين على شظف العيش، الدافعين أنفسهم عن الرفاهية.

ووجه الاستنباط: أن الله أخبر عن طالوت ملك بني إسرائيل حين خرج في جنوده، ومن أطاعه من ملأ بني إسرائيل، أنه قال: إن الله مختبركم بنهر، فمن شرب منه فليس مني أي: فلا يصحبني اليوم في هذا الوجه، ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده، أي فلا بأس عليه (٢)؛ فرخص لهم في الغرفة؛ ليرتفع عنهم أذى العطش بعض الارتفاع؛ فدل ذلك على أن الغرفة تكف سورة العطش عند الصابرين على شظف العيش، الدافعين أنفسهم عن الرفاهية.

وممن قال بهذا الاستنباط: ابن عطية، والقرطبي، والقنوجي. (٣).

وفي هذا الاستنباط حث على الزهد في الدنيا، وتنبيه على أن القليل منها يكفي.

قال القرطبي: (وبين أن الغرفة كافة ضرر العطش عند الحزمة الصابرين على شظف العيش، الذين همهم في غير الرفاهية، كما قال عروة (٤): وأحْسُو قَرَاح الماء والماء بارد (٥). قلت: ومن هذا المعنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "حسب المرء لقيمات يقمن صلبه") (٦). (٧).


(١) فتح القدير ج ١/ ص ٢٦٥.
(٢) انظر: تفسير القرآن العظيم ج ٢/ ص ٢٣٥.
(٣) انظر: المحرر الوجيز ص ٢٢٥، والجامع لأحكام القرآن ج ٣/ ص ٢٣٩، وفتح البيان ج ٢/ ص ٧٨.
(٤) هو عروة بن الورد بن زيد، من شعراء الجاهلية، وفارس من فرسانها، قال الحطيئة: كنا نأتم بشعر عروة بن الورد. انظر: الأغاني ج ٣/ ص ٧٢.
(٥) وصدر البيت: أُقَسِّم جسمي في جسوم كثيرة .... وأحسو قراح الماء والماء بارد. قال المرزوقي في شرحه: وقوله: أُقَسِّم: أراد قوت جسمي وطعمته، لأني أوثر به الغير على نفسي، وأجتزئ بحسو الماء القراح، وهو البحت الذي لا يخالطه شيء من اللبن وغيره، والماء بارد أي: والشتاء شات والبرد متناه. انظر: شرح ديوان الحماسة، ج ٤/ ص ١٦٥٤.
(٦) والحديث رواه المقدام بن معد يكرب -رضي الله عنه-، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن، حسب الآدمي لقيمات يقمن صلبه، فإن غلبت الآدمي نفسه فثلث للطعام، وثلث للشراب، وثلث للنفس" رواه أحمد في مسنده ج ٤/ ص ١٣٢، وابن ماجه في السنن -واللفظ له- في كتاب: الأطعمة، باب: الاقتصاد في الأكل وكراهة الشبع، رقم: ٣٣٤٩، ج ٢/ ص ١١١١. والترمذي في كتاب: الزهد، باب: ما جاء في كراهية كثرة الأكل، رقم: ٢٣٨٠، ج ٤/ ص ٥٩٠، والنسائي في السنن الكبرى رقم: ٦٧٦٨، ٦٧٧٠، ج ٤/ ص ١٧٧، ١٧٨، وابن حبان في صحيحه، رقم: ٦٧٤، ج ٢/ ص ٤٤٩، وصححه الحاكم في المستدرك، رقم: ٧٩٤٥، ج ٤/ ص ٣٦٧، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
(٧) الجامع لأحكام القرآن ج ٣/ ص ٢٣٩.

<<  <   >  >>