للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[٢ - دلالة التقديم.]

ومثاله: استنبط الشوكاني أن من آمن بموسى -عليه السلام- كان اهتمامهم بأمر الدين فوق اهتمامهم بسلامة أنفسهم، وذلك من قوله تعالى: {فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٨٥) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (٨٦)} [يونس: ٨٥ - ٨٦]؛ فقال -رحمه الله-: (ولما قدموا التضرع إلى الله سبحانه في أن يصون دينهم عن الفساد أتبعوه بسؤال عصمة أنفسهم فقالوا: {وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (٨٦)} وفي هذا دليل على أنه كان لهم اهتمام بأمر الدين فوق اهتمامهم بسلامة أنفسهم) (١). (٢).

[٣ - دلالة وضع الظاهر موضع المضمر.]

ومثاله: استنبط الشوكاني من قوله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٠٧)} [يونس: ١٠٧] أن الخير من الله للناس فضل منه لا استحقاق لهم به؛ فقال: -رحمه الله-: ({وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ} أي خير كان لم يستطع أحد أن يدفعه عنك، ويحول بينك وبينه كائنا من كان. وعبر بالفضل مكان الخير للإرشاد إلى أنه يتفضل على عباده بما لا يستحقونه بأعمالهم) (٣). (٤).

[٤ - دلالة تغيير النظم.]

ومثاله: ما استنبطه الشوكاني من قوله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٨)} [النحل: ٨] حيث قال -رحمه الله-: (ولم يقل لتتزينوا بها حتى يطابق لتركبوها؛ لأن الركوب فعل المخاطبين، والزينة فعل الزائن وهو الخالق، والتحقيق فيه أن الركوب هو المعتبر في المقصود، بخلاف الزينة فإنه لا يلتفت إليه أهل الهمم العالية؛ لأنه يورث العجب، فكأنه سبحانه قال خلقتها لتركبوها فتدفعوا عن أنفسكم بواسطتها ضرر الإعياء والمشقة، وأما التزين بها فهو حاصل في نفس الأمر، ولكنه غير مقصود بالذات) (٥). ووجه الاستنباط: أن الله تعالى قال: {وَزِينَةً}، ولم يقل لتتزينوا بها حتى يطابق لتركبوها؛ لأن الركوب فعل المخاطبين، والزينة فعل الزائن وهو الخالق؛ فدل ذلك بدلالة تغيير النظم على أن الركوب هو المعتبر في المقصود، بخلاف الزينة. (٦).


(١) فتح القدير ج ٢/ ص ٤٦٦. وانظر: الاستنباط رقم: ١٠٣.
(٢) وانظر أمثلة أخرى في الاستنباطات رقم: ١، ٦٧، ١٠٥، ١٢١، ١٤٣، ١٦٢، ١٨٣، ١٩٣، ١٩٤، ٢٠٥.
(٣) فتح القدير ج ٢/ ص ٤٧٨. وانظر: الاستنباط رقم: ١٠٤.
(٤) وانظر أمثلة أخرى في الاستنباطات رقم: ٣١، ١١٤، ١١٧.
(٥) فتح القدير ج ٣/ ص ١٤٩. وانظر: الاستنباط رقم: ١٢٣.
(٦) وانظر مثالا آخر في الاستنباط رقم: ١٦٦.

<<  <   >  >>