للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وممن قال بهذا الاستنباط: ابن عرفة، والقنوجي، والسعدي، والدوسري، وابن عثيمين. (١). وأشار ابن عاشور إلى أن في الآية ما يدل على أن الأصل في المنافع الحل، وفي المضار التحريم (٢).

والقول بأن الأصل في المنافع الحل، وفي المضار التحريم لا يصادم القاعدة بل هو نوع تخصيص لها، باستثناء المضار منها (٣).

وقد نبه الشوكاني إلى هذا التخصيص عند استنباطه من قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى … السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٩) فقال: (وفيه دليل على أن الأصل في الأشياء المخلوقة الإباحة، حتى يقوم دليل يدل على النقل عن هذا الأصل. ولا فرق بين الحيوانات وغيرها مما ينتفع به من غير ضرر) (٤).

وهذه الآية استدل بها أيضا القائلون بأن الأصل في الأشياء على الحظر.

ووجهه: أن الأشياء ملك لله تعالى، فلابد من إذنه فيما يتناول منها، وما عدا ما لم يأذن فيه يبقى على الحظر (٥).

والقول بأن الأصل الإباحة -والله أعلم- أظهر؛ لأمور:

الأول: أن كثيرا من أدلة الكتاب والسنة تؤيده (٦)، بل إن بعضها يكاد يكون نصا في هذه المسألة كحديث: "الحلال ما أحل الله في كتابه، والحرام ما حرَّم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو ما عفا عنه" (٧)، وأشباهه مما لا تنهض معه أدلة القائلين بالحظر.

الثاني: أن القول بالإباحة هو الذي يوافق مقاصد الشريعة في جانب شمول أحكامها لكل الحوادث والنوازل، فلا تخلو واقعة من حكم لله تعالى، ومتى ما استحضر الإنسان أدلة اكتمال الدين وإتمام النعمة، مع تفصيل المحرمات وحصرها من قبل الشارع؛ أدرك رجحان هذا القول بلا ريب (٨).


(١) انظر: تفسير ابن عرفة ج ١/ ص ٢١١، وفتح البيان ج ١/ ص ٣٣٤، وتيسير الكريم الرحمن ص ٨٠، وصفوة الآثار والمفاهيم ج ٢/ ص ٥٢٦، وتفسير سورة البقرة ج ٢/ ص ٢٣٥.
(٢) انظر: التحرير والتنوير ج ٢/ ص ١٠١. قال الزركشي: (الأصل في المنافع الإذن، وفي المضار المنع). البحر المحيط في أصول الفقه ج ٦/ ص ١٢.
(٣) انظر: قاعدة الأصل في الأشياء الإباحة للدكتور أحمد الضويحي ص ١٢٥.
(٤) فتح القدير ج ١/ ص ٦٠.
(٥) انظر: البحر المحيط ج ١/ ص ٦٨١، وتفسير ابن عرفة ج ١/ ص ٢١١.
(٦) سبق بيانها عند الآية: ٢٩ من سورة البقرة.
(٧) أخرجه ابن ماجة في سننه، كتاب: الأطعمة، باب: أكل الجبن والسمن، رقم: ٣٣٦٧، ج ٢/ ص ١١١٧، والترمذي في سننه، كتاب: اللباس، باب: ما جاء في لبس الفراء، رقم: ١٧٢٦، ج ٤/ ص ٢٢٠، ولهذا الحديث شواهد ومتابعات من طرق أخرى يتعزز بها.
(٨) انظر: قاعدة الأصل في الأشياء الإباحة للدكتور أحمد الضويحي ص ١٢٨.

<<  <   >  >>