للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى توعد الذين يكتمون ما أنزله سبحانه من البينات والهدى؛ فدل بمفهوم المخالفة -مفهوم صفة- على أن من كتم غير ذلك فلا إثم عليه.

قال القرطبي: (لما قال: دل على أن ما كان من غير ذلك جائز كتمه، لا سيما إن كان مع ذلك خوف؛ فإنه آكد في الكتمان) (١).

والكتم، والكتمان: ترك إظهار الشيء قصدا مع مساس الحاجة إليه، وذلك قد يكون بمجرد ستره وإخفائه، وقد يكون بإزالته ووضع شيء آخر في موضعه (٢).

فجاءت هذه الآية محذرة من الكتمان، زاجرة للكاتمين. ونظيرُ هذه الآية قوله تعالى:

{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٧٤)} البقرة: ١٧٤.

وقوله سبحانه وتعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (١٨٧)} آل عمران: ١٨٧. فهذه كلُّها زواجرُ عن الكتمان (٣).

والآية نزلت في علماء أهل الكتاب وكتمانهم أمر محمد -صلى الله عليه وسلم-، ونحوه (٤). فعلى هذا يكون معنى البينات: الآيات الواضحة الدالة على أمر النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-. والهدى: الآيات الهادية إلى كنه أمره، ووجوب اتباعه والايمان به (٥).


(١) الجامع لأحكام القرآن ج ٢/ ص ١٨٣.
(٢) انظر: إرشاد العقل السليم ج ١/ ص ١٨٢.
(٣) انظر: اللباب في علوم الكتاب ج ٣/ ص ١٠٥.
(٤) قال الواحدي: نزلت في علماء أهل الكتاب وكتمانهم آية الرجم، وأمر محمد -صلى الله عليه وسلم-. أسباب نزول القرآن ص ١٥٥. وأتم منه حديث ابن عباس -رضي الله عنه- قال: سأل معاذ بن جبل، وسعد بن معاذ، وخارجة بن زيد نفرا من أحبار يهود عن بعض ما في التوراة؛ فكتموهم إياه، وأبوا أن يخبروهم؛ فأنزل الله فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (١٥٩)}. انظر: العجاب في بيان الأسباب ص ٢٢٨ - ٢٣٠، ولباب النقول ص ٣١.
(٥) انظر: إرشاد العقل السليم ج ١/ ص ١٨٢.

<<  <   >  >>