للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكان الشيخ ابن عثيمين عد ما ذكره الشوكاني ومن قال بقوله وجيها، لكنه رجح أن يكون مس وأصاب بمعنى واحد فقال: (وهذا الفرق-يعني ما ذكره العلماء من أن المس هنا أخف من الإصابة، وما ينبني عليه من معنى دقيق- بالنسبة لقوله تعالى: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ} وجيه، لكن بالنسبة لقوله: {وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا} لو قلنا بهذا الفرق لكان فرحهم بالسيئة لا يكون إلا إذا كانت شديدة، وهذا فيما يظهر خلاف حالهم، وبناء على ذلك يترجح قول بأن مس وأصاب بمعنى واحد) (١).

ويمكن أن يجاب عن ذلك: بأن رأي الشوكاني ومن قال بقوله وجيه أيضا بالنسبة لقوله: {وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا} من حيث إن المنافقين إذا فرحوا بأعظم المصائب مما يرثى له الشامت، ويرق الحاسد فغيره أولى. (٢).

ومع هذا فقول من قال إنهما بمعنى واحد قول صحيح من جهة أن بين المس والإصابة قدرا مشتركا، فالمس بلا شك هو إصابة، لكنه يختلف عنه بكونه أدنى الإصابة وأقلها.

وأما ما استدلوا به من آيات، فالجواب عنه أن يقال: إن المس إصابة.

ووجود هذا القدر المشترك هو الذي يسمح بتبادل الألفاظ، والتعبير عن اللفظة بالأخرى (٣)، ولذلك سوى الله بينهما، فجاء في مواضع من القرآن ذكر المس، وفي أخرى ذكر الإصابة، لكن هذا لا يمنع أن يكون بين اللفظين فرق.

ومما يدل على أن المس إصابة قليلة: قوله تعالى: {وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (٤٦)} [الأنبياء: ٤٦]. قال ابن عاشور: (والنفحة: المرة من الرضخ في العطية، يقال: نفحه بشيء إذا أعطاه. وفي مادة " النفح " أنه عطاء قليل نَزِر. وبضميمة بناء المرة فيها، والتنكير، وإسناد المس إليها دون فعل آخر أربع مبالغات في التقليل، فما ظنك بعذاب يدفع قليله من حل به إلى الإقرار باستحقاقه إياه، وإنشاء تعجبه من سوء حال نفسه) (٤).

فالأحسن والأنسب بالمقام ما قيل إنه للدلالة على إفراطهم في السرور والحزن؛ لأن المس أقل من الإصابة كما هو الظاهر، فإذا ساءهم أقل خير نالهم فغيره أولى منه، وإذا فرحوا بأعظم المصائب مما يرثى له الشامت، ويرق الحاسد فغيره أولى. وهذا من أسرار بلاغة التنزيل (٥).


(١) تفسير سورة آل عمران ج ٢/ ص ١٠٤.
(٢) انظر: روح المعاني ج ٤/ ص ٤٠، ومحاسن التأويل ج ٢/ ص ٣٩٦.
(٣) انظر: الفروق اللغوية وأثرها في تفسير القرآن الكريم للدكتور محمد الشايع ص ٣٠٣.
(٤) التحرير والتنوير ج ١٧/ ص ٥٩.
(٥) انظر: روح المعاني ج ٤/ ص ٤٠، ومحاسن التأويل ج ٢/ ص ٣٩٦.

<<  <   >  >>