للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وممن قال بهذا الاستنباط: ابن عطية، وابن المنير-كما تقدم-، والنيسابوري (١)، والقنوجي، والبروسوي، والدوسري، ومحمد أبو زهرة، والشعراوي. (٢).

لكن بعض المفسرين كالزمخشري، والبيضاوي، والنسفي (٣) لم يفرق بين المس والإصابة، بل جعلوا المعنى واحدا، مستدلين بأن الله سوى بينهما في مواضع من كتابه، منها:

قوله تعالى: {إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (٥٠)} [التوبة: ٥٠].

وقوله تعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (٧٩)} [النساء: ٧٩].

وقوله تعالى: {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ … جَزُوعًا (٢٠) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (٢١)} [المعارج: ٢٠ - ٢١].

وجعل بعضهم التعبير في قوله: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا} بالمس مع الحسنة، وبالإصابة مع السيئة لمجرد التفنن (٤).

وتعقب النيسابوري قول من قال: إنهما بمعنى، فقال: (ولم يفرق صاحب الكشاف ههنا بين المس والإصابة، وجعل المعنى واحدا. وأقول: يشبه أن يكون المس أقل من الإصابة، وأنه أدخل في بيان شدة العداوة، وذلك أن الحسد لا ينهض لقليل من الخير إلا أن يكون هناك كمال البغض، والشماتة قلما توجد إذا أصاب العدوّ بلية عظمى كما قيل: عند الشدائد تذهب الأحقاد إلا أن يكون ثمة غاية الحقد. وإذا كان حال القوم مع المسلمين في القضيتين بالخلاف دل ذلك على شدة بغضهم ونهاية حقدهم، وعلى هذا فلا يبعد أن يقال: التنوين في {حَسَنَةٌ} للتقليل وفي {سَيِّئَةٌ} للتعظيم) (٥).


(١) هو النظام، الحسن بن محمد بن الحسين القمي، مفسر، من كبار علماء الشيعة في عصره، توفي بعد ٨٥٠ هـ. انظر: معجم المؤلفين ج ١/ ص ٥٩١، ومعجم المفسرين ج ١/ ص ١٤٥.
(٢) انظر: المحرر الوجيز ص ٣٤٩، والانتصاف فيما تضمنه الكشاف من الاعتزال ج ١/ ص ٤٣٦، وغرائب القرآن ورغائب الفرقان ج ٣/ ص ٣٨١، وفتح البيان ج ٢/ ص ٣٢٢، وروح البيان ج ٢/ ص ٨٩، وصفوة الآثار والمفاهيم ج ٤/ ص ٢٨٥، وزهرة التفاسير ج ٢/ ص ١٣٨٥، وخواطري حول القرآن الكريم للشعراوي ج ٣/ ص ١٧٢١.
(٣) انظر: الكشاف ج ١/ ص ٤٣٦، وأنوار التنزيل ج ٢/ ص ٨٦، ومدارك التنزيل ج ١/ ص ١٧٥.
(٤) انظر: روح المعاني ج ٤/ ص ٤٠، والتحرير والتنوير ج ٢/ ص ٢٠٣.
(٥) غرائب القرآن ورغائب الفرقان ج ٣/ ص ٣٨١.

<<  <   >  >>