للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهو قول لبعض السلف كما تقدم.

أما المخالفون فقد ذكر الشنقيطي وجه القول عندهم بامتناع دخول الجن الجنة متعقبا قولهم بقوله: (وقد تمسك جماعة من العلماء منهم الإمام أبو حنيفة -رحمه الله تعالى- بظاهر هذه الآية-أي قوله تعالى: {يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (٣١)} - فقالوا: إن المؤمنين المطيعين من الجن لا يدخلون الجنة، مع أنه جاء في آية أخرى ما يدل على أن مؤمنيهم في الجنة، وهي قوله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (٤٦)} [الرحمن: ٤٦]؛ لأنه تعالى بين شموله للجن والإنس بقوله: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٤٧)} [الرحمن: ٤٧]. ويستأنس لهذا بقوله تعالى: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (٧٤)}، فإنه يشير إلى أن في الجنة جنا يطمثون النساء كالإنس.

والجواب عن هذا: أن آية الأحقاف نص فيها على الغفران والإجارة من العذاب، ولم يتعرض فيها لدخول الجنة بنفي ولا إثبات، وآية الرحمن نص فيها على دخولهم الجنة؛ لأنه تعالى قال فيها: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (٤٦)}. وقد تقرر في الأصول أن الموصولات من صيغ العموم، فقوله: {وَلِمَنْ خَافَ} يعم كل خائف مقام ربه، ثم صرح بشمول ذلك الجن والإنس معا بقوله: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٤٧)} فبين أن الوعد بالجنتين لمن خاف مقام ربه من آلائه، أي: نعمه على الإنس والجن، فلا تعارض بين الآيتين؛ لأن إحداهما بينت ما لم تتعرض له الأخرى) (١).

فيظهر بهذا -والله تعالى أعلم- أن الأصح هو ما استنبطه الشوكاني ومن قال بقوله.

ويدل عليه أيضا أن الجن كالإنس مكلفون، وإذا كانوا كذلك فلا يبعد أن يوافقوهم في الجزاء. وكذلك فإن هذا هو قول أكثر العلماء. قال ابن تيمية: (والجن مكلفون كتكليف الإنس. ومحمد -صلى الله عليه وسلم- مرسل إلى الثقلين الجن والإنس، وكفار الجن يدخلون النار بنصوص وإجماع المسلمين، وأما مؤمنهم ففيهم قولان، وأكثر العلماء على أنهم يثابون أيضا ويدخلون الجنة) (٢).


(١) دفع إيهام الاضطراب ص ٢٠٩.
(٢) مجموع الفتاوى ج ١٣/ ص ٨٥.

<<  <   >  >>