للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ووجه الاستنباط: أن الله ذكر العمل الصالح والجزاء عليه، ثم أتبعه بذكر الاستعاذة، واتصال الآيتين، والربط بينهما دال على أن بالاستعاذة تخلص الأعمال الصالحة عن الوساوس الشيطانية.

قال الرازي: (اعلم أنه لما قال قبل هذه الآية: {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أرشد إلى العمل الذي به تخلص أعماله عن الوساوس، فقال: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٩٨)}) (١).

وممن قال بهذا الاستنباط: الرازي-كما تقدم-، وابن عادل الحنبلي، وأبو السعود، والشربيني، والآلوسي، والقنوجي. (٢). وأشار البقاعي إلى مناسبة قريبة مما قالوه إذ جعل مناسبة ذكر الاستعاذة عقب العمل الصالح أن القرآن تلاوة وتفكراً وعملاً بما ضمن أجل الأعمال الصالحة، فتسبب عن ذلك الأمر بأنه إذا قرئ هذا القرآن المنزل يستعاذ من الشيطان. ثم ذكر أن حاصل الأمر الالتجاء إليه تعالى في كل عمل صالح؛ لئلا يفسده الشيطان بوساوسه (٣).

ورأى الزمخشري أن مناسبة ذكر الاستعاذة عقب العمل الصالح والجزاء عليه أن الاستعاذة من جملة الأعمال الصالحة، فقال: (لما ذكر العمل الصالح ووعد عليه وصل به قوله: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} إيذانا بأن الاستعاذة من جمله الأعمال الصالحة التي يجزل الله عليها الثواب) (٤).

ولا تزاحم بين ما ذكره الزمخشري، وما ذكره الشوكاني فكلاهما -والله أعلم- صحيح.

أما ابن عاشور (٥)، وقبله القرطبي (٦) فقد جعلوا قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٩٨)} متصلا بقوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}، فتكون المناسبة ظاهرة، وهي الأمر بالاستعاذة عند قراءة القرآن الذي هو تبيان.


(١) التفسير الكبير ج ٢٠/ ص ٩١.
(٢) انظر: التفسير الكبير ج ٢٠/ ص ٩١، واللباب ج ١٢/ ص ١٥٥،، وإرشاد العقل السليم ج ٥/ ص ١٣٩، والسراج المنير ج ٢/ ص ٢٨٦، وروح المعاني ج ١٤/ ص ٢٢٨، وفتح البيان ج ٧/ ص ٣١٣.
(٣) انظر: نظم الدرر ج ٤/ ص ٣٠٩، ٣١٠.
(٤) الكشاف ج ٢/ ص ٥٩١. وبه قال البيضاوي في أنوار التنزيل ج ٣/ ص ٤١٩.
(٥) انظر: التحرير والتنوير ج ١٣/ ص ٢٢١.
(٦) انظر: الجامع لأحكام القرآن ج ١٠/ ص ١٥٦.

<<  <   >  >>