للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وربما عني بعضهم بإبطال التقليد إبطاله في العقائد خصوصا، لأن عباراتهم غير واضحة في هذا، إلا من نص على ذلك كالطوفي بقوله: (واعلم أن هذه الآية وغيرها من الآيات الذامة للتقليد إنما دلت على امتناع التقليد في أحكام الأصول والمعتقدات، أما الفروع فلا) (١).

وفي حكم التقليد في العقائد والأصول خلاف (٢)، لكن الأصح- والله أعلم- أنه يجوز ما دام الإيمان راسخا لا تردد فيه ولا شك. (٣).

وقد نبه الشوكاني على أن المقصود هو حصول العلم حتى يصير ثابتا بحيث لا يتردد، وأن من أمعن النظر في أحوال العوام وجد في كثير منهم الإيمان في صدره كالجبال الرواسي (٤). فقال: (وقد كفى غالب الصحابة الذين لم يبلغوا درجة الاجتهاد ولا قاربوها الإيمان الجملي، ولم يكلفهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو بين أظهرهم- بمعرفة ذلك، ولا أخرجهم عن الإيمان بتقصيرهم عن البلوغ إلى العلم بذلك بأدلته) (٥).

والتقليد في الحق عند القرطبي أصل من أصول الدين، قال: (تعلق قوم بهذه الآية في ذم التقليد لذم الله تعالى الكفار بإتباعهم لآبائهم في الباطل واقتدائهم بهم في الكفر والمعصية، وهذا في الباطل صحيح، أما التقليد في الحق فأصل من أصول الدين، وعصمة من عصم المسلمين، يلجأ إليها الجاهل المقصر عن درك النظر وأما جوازه في مسائل الفروع فصحيح) (٦).


(١) الإشارات الإلهية ج ١/ ص ٣٠٥
(٢) فيه ثلاثة أقوال: المنع، والجواز، ووجوب التقليد وتحريم النظر والبحث فيه. راجعه في: الإحكام في أصول الأحكام ج ٤/ ص ٢١٢ وما بعدها، والبحر المحيط للزركشي ج ٦/ ص ٢٧٠ وما بعدها، والمسودة في أصول الفقه ص ٣٠٤ وما بعدها، وأعلام الموقعين ج ٤/ ص ٢١٠ وما بعدها، وإرشاد الفحول ص ٥٩٦ وما بعدها، والوجيز في أصول الفقه الإسلامي ص ٣٥٤ وما بعدها.
(٣) قال أبو عمرو بن الصلاح -في حديث ضمام بن ثعلبة -رضي الله عنه- لما سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن خالق السماء والأرض، ثم سأله عن أركان الإسلام، ثم ولى قائلا: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لئن صدق ليدخلن الجنة"-: (وفيه دلالة لصحة ما ذهب إليه أئمة العلماء من أن العوام المقلدين مؤمنين، وأنه يكتفى منهم بمجرد اعتقاد الحق جزما من غير شك وتزلزل، خلافا لمن أنكر ذلك من المعتزلة، وذلك أنه -صلى الله عليه وسلم- قرر ضماما على ما اعتمد عليه في تعريف رسالته، وصدقه، ومجرد إخباره إياه بذلك، ولم ينكر عليه ذلك، ولا قال يجب عليك معرفة النظر في معجزاتي، والاستدلال بالأدلة القطعية). نقله عنه النووي في شرحه على صحيح مسلم ج ١/ ص ١٧١.
(٤) انظر: إرشاد الفحول ص ٦٠٠.
(٥) المصدر السابق ص ٥٩٩.
(٦) الجامع لأحكام القرآن ج ٢/ ص ٢٠٦.

<<  <   >  >>