للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أحدها: أن هذا التراخي في الذكر لا في الوجود.

وثانيها: أن يكون المراد ثم كان في عاقبة أمره من الذين آمنوا، وهو أن يموت على الإيمان، فإن الموافاة شرط الانتفاع بالطاعات.

وثالثها: أن من أتى بهذه القرب تقربا إلى الله تعالى قبل إيمانه بمحمد -صلى الله عليه وسلم-، ثم آمن بعد ذلك بمحمد عليه الصلاة والسلام فعند بعضهم أنه يثاب على تلك الطاعات، قالوا: ويدل عليه ما روي أن حكيم بن حزام بعدما أسلم قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنا كنا نأتي بأعمال الخير في الجاهلية فهل لنا منها شيء؟ فقال عليه السلام: "أسلمت على ما قدمت من الخير" (١).

ورابعها: أن المراد من قوله: {ثُمَّ كَانَ … مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} تراخي الإيمان وتباعده في الرتبة والفضيلة عن العتق والصدقة؛ لأن درجة ثواب الإيمان أعظم بكثير من درجة ثواب سائر الأعمال (٢).

ولا يصح هذا الاستنباط على المعنيين الأخيرين الذين ذكرهما الشوكاني في معنى الآية، حيث قال: (وقيل: المعنى ثم كان من الذين آمنوا بأن هذا نافع لهم. وقيل: المعنى أنه أتى بهذه القرب لوجه الله (٣).

وكذلك لا يصح على أن معنى ثم هنا الواو (٤)؛ لوضوحه.


(١) أخرجه البخاري في كتاب: الزكاة، باب: من تصدق في الشرك ثم أسلم، رقم: ١٣٦٩، ج ٢/ ص ٥٢١. ولفظه: عن حكيم بن حزام -رضي الله عنه- قال: "يا رسول الله أرأيت أشياء كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة، أو عتاقة، وصلة رحم فهل فيها من أجر؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- " أسلمت على ما سلف من خير". وأخرجه مسلم في كتاب: الإيمان، باب: بيان حكم عمل الكافر إذا أسلم بعده، رقم: ٥٥، ج ١/ ص ١١٣. ولفظه: "أسلمت على ما أسلفت من خير". والتحنث التعبد. وقال الشيخ عطية سالم: (وقد بحث العلماء موضوع عمل الكافر الذي عمله حالة كفره ثم أسلم هل ينتفع به بعد إسلامه أم لا؟ والراجح أنه ينتفع به كما ذكر القرطبي أن حكيم بن حزام بعد ما أسلم قال: يا رسول الله إنا كنا نتحنث بأعمال في الجاهلية فهل لنا منها شيء؟ فقال عليه السلام: "أسلمت على ما أسلفت من الخير". انظر: تتمة أضواء البيان ج ٦/ ص ٥٠.
(٢) انظر: التفسير الكبير ج ٣١/ ص ١٦٩.
(٣) يعني أتى بهذه القرب لوجه الله ثم آمن بالنبي محمد -صلى الله عليه وسلم-. انظر: الجامع لأحكام القرآن ج ٢٠/ ص ٦٤.
(٤) قال ابن الجوزي: (ثم بين أن هذه القرب إنما تنفع مع الإيمان بقوله تعالى: {ثُمَّ كَانَ … مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا}، و ثم هاهنا بمعنى الواو كقوله تعالى: {ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ} [يونس: من الآية ٤٦]). زاد المسير ج ٩/ ص ١٣٥. وهذا الوجه ضعفه النحاس عند قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا … قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (١١)} [فصلت: ١١]، قال: وقيل: ثم ههنا بمعنى الواو، وهذا لا يصح ولا يجوز. انظر: معاني القرآن ج ٦/ ص ٢٤٨.

<<  <   >  >>