(٢) انظر هذا التفصيل في طريق الهجرتين ص ٥٢٨ - ٥٣٦. وفيه قال ابن القيم: وقد أشكل فهم هذه الآية على طائفة من الناس من جهة أن القاعدين الذين فضل عليهم المجاهدون بدرجات إن كانوا هم القاعدين الذي فضل عليهم أولو الضرر فيكون المجاهدون أفضل من القاعدين مطلقا، وعلى هذا فما وجه استثناء أولي الضرر من القاعدين وهم لا يستوون والمجاهدين أصلا، فيكون حكم المستثنى والمستثنى منه واحدا، فهذا وجه الإشكال ونحن نذكر ما يزيل الإشكال بحمد الله. إلى أن قال: ولكن بقى أن يقال: إذا كان المجاهدون أفضل من القاعدين مطلقاً لزم أن لا يستوي مجاهد وقاعد مطلقاً، فلا يبقى في تقييد القاعدين بكونهم من غير أُولى الضرر فائدة، فإنه لا يستوي المجاهدون والقاعدون من أُولى الضرر أيضاً. وأيضاً فإن القاعدين المذكورين في الآية الذين وقع التفضيل عليهم هم غير أولى الضرر لا القاعدون الذين هم أولوا الضرر، فإنهم لم يذكر حكمهم في الآية، بل استثناهم وبيَّن أن التفضيل على غيرهم، فاللام في "القاعدين" للعهد والمعهود هم غير أولى الضرر لا المضرورون، وأيضاً فالقاعد من المجاهدين لضرورة تمنعه من الجهاد له مثل أجر المجاهد، كما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إذا مرض العبد أو سافر كتب له من العمل ما كان يعمل صحيحاً مقيماً"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا وهم معكم" قالوا: وهم بالمدينة؟ قال: "وهم بالمدينة حبسهم العذر". وعلى هذا فالصواب أن يقال: الآية دلت على أن القاعدين من غير أُولى الضرر لا يستوون هم والمجاهدون، وسكت عن القاعدين من أولى الضرر، فلم يدل على حكمهم بطريق منطوقها، ولا يدل مفهومها على مساواتهم للمجاهدين، بل هذا النوع منقسم إلى: معذور من أهل الجهاد غلبه عذره، وأقعده عنه، ونيته جازمة لم يتخلف عنها مقدورها، وإنما أقعده العجز، فهذا الذي تقتضيه أدلة الشرع أن له مثل أجر المجاهد، وهذا القسم لا يتناوله الحكم بنفي التسوية، وهذا لأن قاعدة الشريعة أن العزم التام إذا اقترن به ما يمكن من الفعل أو مقدمات الفعل نزل صاحبه في الثواب والعقاب منزلة الفاعل التام. والقسم الثاني: معذور ليس من نيته الجهاد، ولا هو عازم عليه عزما تاما، فهذا لا يستوي هو والمجاهد في سبيل الله، بل قد فضل الله المجاهدين عليه وإن كان معذورا؛ لأنه لا نية له تلحقه بالفاعل التام كنية أصحاب القسم الأول. فلما كان القسم المعذور فيه هذا التفصيل لم يجز أن يساوي بالمجاهد مطلقا، ولا ينفي عنه المساواة مطلقا. ودلالة المفهوم لا عموم لها، فإن العموم إنما هو من أحكام الصيغ العامة.