للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال الرازي: (وإنما خص الله تعالى هذين الوصفين بالذم في هذا الموضع لأن المختال هو المتكبر، وكل من كان متكبرا فانه قلما يقوم برعاية الحقوق، ثم أضاف إليه ذم الفخور؛ لئلا يقدم على رعاية هذه الحقوق لأجل الرياء والسمعة بل لمحض أمر الله تعالى) (١).

وممن قال بهذا الاستنباط: ابن عطية، وابن الجوزي (٢)، والرازي-كما تقدم-، والقرطبي، والبقاعي، والقنوجي. (٣).

وقد ذكر أبو حيان هذه المناسبة في تفسيره لكنه رأى غيرها، فقال: والذي يظهر لي أن مساقهما غير هذا المساق الذي ذكروه، وذلك أنه تعالى لما أمر بالإحسان للأصناف المذكورة، والتحفي بهم وإكرامهم، كان في العادة أن ينشأ عن من اتصف بمكارم الأخلاق أن يجد في نفسه زهوا وخيلا وافتخارا بما صدر منه من الإحسان. وكثيرا ما افتخرت العرب بذلك وتعاظمت في نثرها ونظمها به، فأراد تعالى أن ينبه على التحلي بصفة التواضع، وأن لا يرى لنفسه شفوفا على من أحسن إليه، وأن لا يفخر عليه كما قال تعالى: {لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} [البقرة: من الآية ٢٦٤] (٤). (٥). إلى أن قال: إلا أن ما ذكرناه لا يتم إلا على أن يكون {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} [النساء: من الآية ٣٧] (٦) مبتدأ مقتطعا مما قبله، أما أن يكون متصلا بما قبله فيأتي المعنى الذي ذكره المفسرون.


(١) التفسير الكبير ج ١٠/ ص ٧٩.
(٢) العلامة، الحافظ، المفسر، جمال الدين، أبو الفرج، عبد الرحمن بن علي بن محمد القرشي، علاَّمة عصره، لقب جده بالجوزي لجوزة كانت في دارهم بواسط لم يكن بها جوزة سواها، وابن الجوزي صاحب التصانيف في التفسير، والفقه، والحديث، والتاريخ، والوعظ، والطب، من تلك المصنفات: "الوجوه والنظائر"، "زاد المسير في علم التفسير"، "فنون الأفنان في علوم القرآن"، توفي سنة سبع وتسعين وخمسمائة للهجرة. انظر: سير أعلام النبلاء ج ٢١، ص ٣٦٥، وطبقات المفسرين للسيوطي ص ٦١، وطبقات المفسرين للداودي ج ١، ص ٢٧٠ - ٢٧٤.
(٣) انظر: المحرر الوجيز ص ٤٣٤، وزاد المسير ص ٢٨٢، والتفسير الكبير ج ١٠/ ص ٧٩، والجامع لأحكام القرآن ج ٥/ ١٨٥، ونظم الدرر ج ٢/ ص ٢٥٦، وفتح البيان ج ٣/ ص ١١٧.
(٤) انظر: البحر المحيط ج ٣/ ص ٣٤٨.
(٥) وتمامها: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ … صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (٢٦٤)}.
(٦) وتمامها: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (٣٧)}.

<<  <   >  >>