للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى ألغى هنا اعتبار المصلحة وهي سب آلهة المشركين لاشتمالها على مفسدة أرجح منها هي سب المشركين لله؛ فدل ذلك بدلالة تأمل أفعال الله تعالى، والاقتداء به عز وجل على أن الداعي إلى الحق، والناهي عن الباطل إذا خشي أن يتسبب عن ذلك ما هو أشد منه من انتهاك حرم، ومخالفة حق، ووقوع في باطل أشد كان الترك أولى به، بل كان واجبا عليه.

قال الرازي: (تدل على أن الأمر بالمعروف قد يقبح إذا أدى إلى ارتكاب منكر، والنهي عن المنكر يقبح إذا أدى إلى زيادة منكر، وغلبة الظن قائمة مقام العلم في هذا الباب) (١).

وممن قال بهذا الاستنباط: السمرقندي، والرازي-كما تقدم- والقرطبي، والسيوطي، والقنوجي. (٢).

ومما يؤيد هذا المعنى المستنبط أن الشريعة مبنية على تحقيق المصالح ودرء المفاسد.

وفيه أيضا تنبيه لكل داعية للحق بأن يُقّدِّر الأمور بقدرها، فإذا ناقض الوعظ المقصود كان تركه مقصودا.

قال السعدي: (ينبغي أن يستعمل المُذَكِّر من الكلام ما يكون أقرب إلى حصول مقصود التقوى وفيه دليل على أنه إذا كان التذكير والوعظ مما يزيد الموعوظ شرا إلى شره كان تركه هو الواجب لأنه إذا ناقض المقصود كان تركه مقصودا) (٣).


(١) انظر: التفسير الكبير ج ١٣/ ص ١١٥.
(٢) انظر: بحر العلوم ج ١/ ص ٤٩٣، والتفسير الكبير ج ١٣/ ص ١١٥، والجامع لأحكام القرآن ج ٧/ ص ٥٦، والإكليل ج ٢/ ص ٧٠٩، وفتح البيان ج ٤/ ص ٢١٧.
(٣) تيسير الكريم الرحمن ص ٢٦١. وهذا من استنباطات السعدي حيث استنبط هذا المعنى من قوله تعالى: {وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٦٩)} [الأنعام: ٦٩]. ووجهه: أن الله تعالى بيَّن أن الغاية من الوعظ حصول التقوى؛ فدل بمفهوم المخالفة على أن الوعظ إن أدى لخلاف المقصود فتركه واجب. انظر: استنباطات الشيخ عبد الرحمن السعدي ص ٤٩٥.

<<  <   >  >>