للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال ابن جرير الطبري (١): (كلُّ من أخرج شيئاً كان مُستَتِرا عن إبصار العيون، أو عن معارف القلوب فهو مستنبطٌ له) (٢).

والألف والسين والتاء في استنبط تدل على تطلب الشيء لأجل حصوله، وكأن فيها معنى التكلف في إعمال العقل الذي يحتاجه المستنبط حال الاستنباط (٣).

ويستفادُ من هذه المعاني اللغوية ما يأتي (٤):

أولاً: الاستنباط هو الاستخراج باتفاق أهل اللغة، وهو المعنى المطابق للَّفظ.

ثانياً: في الاستنباط نوعُ اجتهاد ومعاناة دلَّ عليه صيغة اللفظ المفتتحة بحروف الطلب الألف والسين والتاء، كما يدل عليه الجهد والعناء في استنباط الماء من البئر.

قال ابن القيم (٥): (الاستنباط هو: استخراج الشيء الثابت الخفي الذي لا يعثر عليه كل أحد) (٦).

ثالثاً: الاستنباط أقرب إلى باطن الكلام منه إلى ظاهره، وأقرب إلى المعاني منه إلى الألفاظ، وهو معنى الاستتار والتواري الذي ذكره ابن جرير.

رابعا: أن الاستنباط يطلق على المحسوسات كما في استنباط الماء من البئر، وعلى المعاني كاستنباط العلم أو الفائدة بعد التأمل.

تعريف الاستنباط اصطلاحا: الذي يعنينا في هذا المقام بيان المعنى الاصطلاحي للاستنباط من القرآن الكريم، وهو استخراج ما خفي من النص القرآني بطريق صحيح (٧). أي: استخراج ما خفي من المعاني، والأحكام، والحكم، والمناسبات (٨) من القرآن بطريق صحيح (٩).


(١) هو أبو جعفر، محمد بن جرير بن يزيد الآملي، الطبري، من أهل آمل بطبرستان، كان رأساً في التفسير، إماماً في الفقه، علامة بالتاريخ، عارفاً بالقراءات واللغة، له تصانيف عظيمة منها: "جامع البيان عن تأويل آي القرآن"، و"تاريخ الأمم والملوك"، توفي سنة عشر وثلاثمائة للهجرة. انظر: غاية النهاية في طبقات القراء ج ٢، ص ١٠٦ - ١٠٨، وطبقات المفسرين للسيوطي ص ٩٥ - ٩٧.، وطبقات المفسرين للداودي ج ٢، ص ١٠٦ - ١١٤.
(٢) جامع البيان ج ٧/ ص ٢٥٥.
(٣) انظر: مفهوم التفسير، والتأويل، والاستنباط، والتدبر، والمفسر ص ١٥٩.
(٤) انظر هذه المعاني في: منهج الاستنباط من القرآن الكريم ص ٣٣، ومعالم الاستنباط في التفسير ص ٢٠، ٢١.
(٥) هو شمس الدين، أبو عبد الله، محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي، الدمشقي، الأصولي، المفسر، النحوي، المعروف بابن قيِّم الجوزية، لازم شيخ الإسلام ابن تيمية وأخذ عنه، اُمتحن وأوذي مرات، وحُبس مع شيخه بالقلعة، له تصانيف عظيمة منها: "زاد المعاد"، و"التبيان في أقسام القرآن"، توفي سنة إحدى وخمسين وسبعمائة للهجرة. انظر: بغية الوعاة ج ١، ص ٥٦، وطبقات المفسرين للداودي ج ٢، ص ٩٠ - ٩٣، وشذرات الذهب ج ٦، ص ١٦٨ - ١٧٠.
(٦) مفتاح دار السعادة ج ٢/ ص ١٠٤.
(٧) منهج الاستنباط من القرآن الكريم ص ٤٥.
(٨) أعني هنا المناسبات الخفية؛ أما المناسبات الظاهرة فليست باستنباطات. ويمكن أن يستأنس لإثبات أن المناسبات الخفية تعد استنباطات بقول السيوطي- بعد أن عدَّد وجوها من المناسبات في سورة الأنعام-: (وجميع هذه الوجوه التي استنبطتها من المناسبات بالنسبة إلى أسرار القرآن كنقطة من بحر). تناسق الدرر في تناسب السور ص ٨٦، ٨٧.
وقال في آخر كتابه تناسق الدرر في تناسب السور: (وهذا آخر ما منَّ الله به علي من استخراج مناسبات ترتيب السور، وكله من مستنبطاتي، ولم أعثر فيه على شيء لغيري إلا النزر اليسير … ). ص ١٤٨.
(٩) انظر: استنباطات الشيخ السعدي من القرآن عرض ودراسة ص ١٣.

<<  <   >  >>