للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢ - في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (١٩)} [الكهف: ١٩] قال الشوكاني -رحمه الله-: (وفي حملهم لهذه الورق معهم دليل على أن إمساك بعض ما يحتاج إليه الإنسان لا ينافي التوكل على الله) (١). ووافقه القنوجي وزاد عليه استنباطا آخر، فقال: (فيه دليل على جواز الاجتهاد، والقول بالظن الغالب) (٢).

ويندر أن يخالف القنوجي الشوكاني، ويمكن أن يمثل له بمثال واحد- على احتمال- في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ … الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٣)} [الرعد: ٣] قال الشوكاني: ({وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ} … وهذا المد الظاهر للبصر لا ينافي كريتها في نفسها لتباعد أطرافها) (٣). وقال القنوجي: (قيل: وهذا المد الظاهر للبصر لا ينافي كرويتها في نفسها لتباعد أطرافها (٤)، وبه قال أهل الهيئة، والله أخبر أنه مد الأرض، وأنه دحاها، وبسطها، وأنه جعلها فراشا، وكل ذلك يدل على كونها مسطحة كالأكف، وهو أصدق قيلا، وأبين دليلا من أصحاب الهيئة) (٥). وانظر بسط القول في هذا الاستنباط عند قوله تعالى: {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ … شَيْءٍ مَوْزُونٍ (١٩)} [الحجر: ١٩] (٦).


(١) فتح القدير ج ٣/ ص ٢٧٦. وانظر: الاستنباط رقم: ١٣٨.
(٢) فتح البيان ج ٨/ ص ٢٧.
(٣) فتح القدير ج ٣/ ص ٦٤. وقد نقل الشوكاني قبله قولا للأصم، فقال: (وقال الأصم: إن المد هو البسط إلى ما لا يدرك منتهاه. وهذا المد الظاهر للبصر لا ينافي كريتها في نفسها لتباعد أطرافها). فإن قيل: قد يكون الكلام كله للأصم فنقله الشوكاني؛ قلت: قول الشوكاني: (وهذا المد الظاهر للبصر لا ينافي كريتها في نفسها لتباعد أطرافها) ليس من تمام كلام الأصم، إذ ليس موجودا في تفسيره للآية في ص ٢٤، وص ٨٢، وكذلك لم ينقله الرازي عن الأصم-مع أنه ينقل عنه كثيرا-، فلم يبق إلا أن يكون من كلام الشوكاني.
(٤) هذا قول النيسابوري في غرائب القرآن ورغائب الفرقان ج ٧/ ص ٢٥٢.
(٥) فتح البيان ج ٧، ص ١٢.
(٦) الاستنباط رقم: ١٢٢. وفيه يظهر أهمية الرجوع إلى تفسير القنوجي وموازنته بتفسير الشوكاني.

<<  <   >  >>