للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وبرأ الخلق: فطرهم، وقيل: البرء خلق على صفة فكل مبروء مخلوق، وليس كل مخلوق مبروءاً؛ لأن البرء فيه فصل بعض الخلق عن بعض، فصورة زيد مفارقة لصورة عمرو وهكذا (١).

فعلى هذا يكون البرء أخص من الخلق؛ ولذا أتبع به الخالق في قوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ} [الحشر: من الآية ٢٤] (٢).

ووجه الاستنباط: أن الله خص بالذكر اسمه (البارئ) في هذا الموضع دون غيره من الأسماء، وهذا الاسم لم يرد في القرآن إلا ثلاث مرات: مرة بلفظ (البارئ) في سورة الحشر في قوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٤)} [الحشر: ٢٤]، ومرتين بلفظ (بارئكم) في هذه الآية، فلابد أن يكون لتخصيص هذا الاسم بالذكر هنا مناسبة للمقام، وهي: الإشعار بأنهم بلغوا من الجهالة أقصاها، ومن الغواية منتهاها حيث تركوا عبادة العليم الحكيم الذي خلقهم إلى عبادة البقر (٣) فعرضوا أنفسهم لسخط الله تعالى، ونزول أمره حين لم يشكروا النعمة في ذلك، وغمطوها بعبادة من لا يقدر على شيء منها، ففي ذكر البارئ في هذا المقام تقريع بما كان منهم (٤)، وتنبيه على أن من كان كذلك -أي: بارئهم- فهو أحق بالعبادة من البقر الذي يضرب به المثل في الغباوة (٥).

وذكر البارئ هنا تضمن الترهيب والترغيب.

قال البقاعي: (وفي التعبير بالبارئ ترغيب لهم في طاعته بالتذكير بالإحسان، وترهيب بإيقاع الهوان) (٦).

وممن قال بهذا الاستنباط: الزمخشري، والطِّيْبِي (٧)، وابن كثير، وأبو السعود، والبروسوي، والآلوسي، والقنوجي، والهرري. (٨).


(١) تفسير أسماء الله الحسنى للزجاج ص ٣٧، والنهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى ج ١/ ص ١٦٣ - ١٦٦.
(٢) انظر: التحرير والتنوير ج ١/ ص ٤٨٨.
(٣) انظر: إرشاد العقل السليم ج ١/ ص ١٠٢، وروح البيان ج ١/ ص ١٣٨، وحدائق الروح والريحان ج ١/ ص ٤١١.
(٤) انظر: الكشاف ج ١/ ص ١٦٩، وروح المعاني ج ١/ ص ٢٥٩، ٢٦٠.
(٥) انظر: التفسير الكبير ج ٣/ ص ٧٥.
(٦) نظم الدرر ج ١/ ص ١٣٥.
(٧) هو شرف الدين، الحسين بن محمد بن عبد الله، مفسر، محدث، علامة في العربية والمعاني والبيان، توفي سنة ٧٤٣ هـ. انظر: طبقات المفسرين للدوادي ج ١/ ص ١٤٣، ومعجم المفسرين ج ١/ ص ١٥٩.
(٨) انظر: الكشاف ج ١/ ص ١٦٩، وفتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب -من أوله لآخر الآية ١١٧ من سورة البقرة، رسالة دكتوراه بتحقيق: د. صالح الفايز- ص ٥٢٢، ٥٢٣، ونقله السيوطي عن الطيبي في قطف الأزهار ج ١/ ص ٢٥٤، وتفسير القرآن العظيم ج ١/ ص ٣٩٤، وإرشاد العقل السليم ج ١/ ص ١٠٢، وروح البيان ج ١/ ص ١٣٨، ١٣٩، وروح المعاني ج ١/ ص ٢٥٩، ٢٦٠، وفتح البيان ج ١/ ص ١٧٠، وحدائق الروح والريحان ج ١/ ص ٤١١.

<<  <   >  >>