للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويدخل فيما في ترك بيانه مصلحة ما يشتبه على الناس، ولا تبلغه عقولهم.

قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "ما أنت محدثا قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة" (١).

وقال الحرالي (٢): ({مِنَ الْبَيِّنَاتِ} ففي إفهامه إذن في كتم ما يخفى من العلم عن عقول لم تصل إليه) (٣).

ونبه الشاطبي (٤) على ذلك بقوله: (ومن هذا يعلم أنه ليس كل ما يعلم مما هو حق يطلب نشره، وإن كان من علم الشريعة. ومما يفيد علما بالأحكام بل ذلك ينقسم:

فمنه: ما هو مطلوب النشر وهو غالب علم الشريعة.

ومنه: ما لا يطلب نشره بإطلاق، أو لا يطلب نشره بالنسبة إلى حال، أو وقت، أو شخص، ومن ذلك: تعيين هذه الفرق، فإنه وإن كان حقا فقد يثير فتنة كما تبين تقريره فيكون من تلك الجهة ممنوعا بثه.

ومن ذلك: علم المتشابهات والكلام فيها فإن الله ذم من اتبعها، فإذا ذكرت وعرضت للكلام فيها فربما أدى ذلك إلى ما هو مستغنى عنه، وقد جاء فى الحديث عن علي -رضي الله عنه-: "حدثوا الناس بما يفهمون أتريدون أن يكذب الله ورسوله" (٥). إلى أن قال: (وضابطه أنك تعرض مسألتك على الشريعة، فإن صحت في ميزانها؛ فانظر في مآلها بالنسبة إلى حال الزمان وأهله، فإن لم يؤد ذكرها إلى مفسدة؛ فاعرضها في ذهنك على العقول، فإن قبلتها فلك أن تتكلم فيها إما على العموم إن كانت مما تقبلها العقول على العموم، وإما على الخصوص إن كانت غير لائقة بالعموم. وإن لم يكن لمسألتك هذا المساغ؛ فالسكوت عنها هو الجاري على وفق المصلحة الشرعية والعقلية) (٦).

وممن قال بهذا الاستنباط: الحرَّالي، والقرطبي، والقنوجي. (٧).


(١) رواه مسلم في باب: النهي عن الحديث بكل ما سمع، ح: ٥، ج ١/ ص ١١.
(٢) هو أبو الحسن، علي بن أحمد بن الحسن التجيبي، مفسر، فقيه، أصولي، من علماء المغرب، فلسفي متصوف، توفي سنة ٦٣٨ هـ. انظر: طبقات المفسرين للداودي ج ١/ ص ٣٨٦، ومعجم المفسرين ج ١/ ص ٣٥٢.
(٣) نقله عنه البقاعي في نظم الدرر ج ١/ ص ٢٨٨. وانظر: تراث أبي الحسن الحرالي المراكشي ص ٢٩٢.
(٤) هو إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي، حافظ ثقة، محدث، مفسر، أصولي، من أئمة فقهاء المالكية، توفي سنة ٧٩٠ هـ. انظر: الأعلام ج ١/ ص ٧٥، ومعجم المفسرين ج ١/ ص ٢٣.
(٥) سبق تخريجه في الصفحة السابقة.
(٦) الموافقات ج ٤/ ص ١٨٩ - ١٩١.
(٧) انظر: تراث أبي الحسن الحرالي المراكشي ص ٢٩٢ (ونقله البقاعي عن الحرالي في نظم الدرر ج ١/ ص ٢٨٨)، والجامع لأحكام القرآن ج ٢/ ص ١٨٣، فتح البيان ج ١/ ص ٣٢٣.

<<  <   >  >>