للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال البقاعي: (وأفهم هذا خيرية الحرة والحر المؤمنين من باب الأولى، مع التشريف العظيم لهما بترك ذكرهما إعلاما بأن خيريتهما أمر مقطوع به لا كلام فيه، وأن المفاضلة إنما هي بين من كانوا يعدُّونَه دَنِيَّا فشرفه الإيمان، ومن يعدُّونَه شريفا فحقره الكفران، وكذلك ذكر الموصوف بالإيمان في الموضعين ليدل على أنه وإن كان دَنِيَّا موضع التفضيل لعلو وصفه، وأثبت الوصف بالشرك في الموضعين مقتصراً عليه؛ لأنه موضع التحقير وإن علا في العرف موصوفه) (١).

وهذا الاستنباط مبني على تفسير الأمة في الآية بالرقيقة (٢) - وهو ما رجحه الشوكاني- فيكون تفضيل الحرة المؤمنة على الحرة المشركة استنباطا على هذا، أما عند من فسر الأمة بمطلق المرأة حرة كانت أو مملوكة (٣) فقد يكون تفضيل الحرة المؤمنة على الحرة المشركة تفسيرا لا استنباطا؛ لأنه معنى ظاهر من الآية.

ويظهر أن ما رجحه الشوكاني- والله أعلم- هو الأولى؛ لأمور:

الأول: أنه مؤيد بسبب النزول إذ نزلت في عبد الله بن رواحة -رضي الله عنه-، وكانت له أمة سوداء، وأنه غضب عليها فلطمها، ثم إنه فزع، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبره خبرها، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- له: ما هي يا عبد الله؟ قال: تصوم، وتصلي، وتحسن الوضوء، وتشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، فقال: يا عبد الله هذه مؤمنة، فقال عبد الله: فوالذي بعثك بالحق لأعتقنها، ولأتزوجنها، ففعل، فطعن عليه ناس من المسلمين، وقالوا: نكح أمة، وكانوا يريدون أن ينكحوا إلى المشركين، وينكحوهم؛ رغبة في أحسابهم، فأنزل الله فيهم {وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ} (٤).

قال الآلوسي: (والظاهر أن المراد بالأمة ما يقابل الحرة، وسبب النزول يؤيد ذلك؛ لأن العيب على من تزوج الأمة، والترغيب في نكاح حرة مشركة، ففي الآية تفضيل الأمة المؤمنة عل المشركة مطلقا ولو حرة، ويعلم منه تفضيل الحرة عليها بالطريق الأولي).


(١) المصدر السابق ج ١/ ص ٤٢٠.
(٢) ممن فسر الأمة بالرقيقة: ابن عطية في المحرر الوجيز ص ١٩٤، وأبو حيان في البحر المحيط ج ٢/ ص ٢٦٢، وأبو السعود في إرشاد العقل السليم ج ١/ ص ٢٢١، والآلوسي في روح المعاني ج ٢/ ص ١١٩، والقاسمي في محاسن التأويل ج ٢/ ص ١١٦.
(٣) قال الزمخشري: ولامرأة مؤمنة حرة كانت أو مملوكة، وكذلك ولعبد مؤمن. الكشاف ج ١/ ص ٢٩٢. وممن وافقه: البيضاوي في أنوار التنزيل ج ١/ ص ٥٠٧، وابن جزي في التسهيل لعلوم التنزيل ج ١/ ص ٨٠.
(٤) تقدم تخريجه قريبا.

<<  <   >  >>