للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ووجه الاستنباط: أن الله أباح لهما الرجعة بشرط أن يظنا إقامة حدود الله التي هي أمره ونهيه في الحقوق الزوجية؛ فيستنبط بمفهوم المخالفة -مفهوم الشرط- أن من لم يحقق الشرط؛ فلا تحل له الرجعة، بل وعليهما جناح إن غلب على ظنهما ألا يقيما حدود الله.

قال السعدي: (ومفهوم الآية الكريمة أنهما إن لم يظنا أن يقيما حدود الله بأن غلب على ظنهما أن الحال السابقة باقية، والعشرة السيئة غير زائلة، أن عليهما في ذلك جناحا؛ لأن جميع الأمور إن لم يقم فيها أمر الله ويسلك بها طاعته لم يحل الإقدام عليها) (١).

وممن قال بهذا الاستنباط: القرطبي، والطوفي، وأبو حيان، والقنوجي، والسعدي، وابن عثيمين، والهرري. (٢).

وخالف الرازي فجوز الرجعة بدون هذا الظن، إذ لم يجعله شرطا، وجعله من باب حث الزوجين وحضهما على إقامة حدود الله، قال: كلمة إن في اللغة للشرط، والمعلق بالشرط عدم عند عدم الشرط، فظاهر الآية يقتضي أنه متى لم يحصل هذا الظن لم يحصل جواز المراجعة، لكن ليس الأمر كذلك، فإن جواز المراجعة ثابت سواء حصل هذا الظن أو لم يحصل، إلا أنا نقول ليس المراد أن هذا شرط لصحة المراجعة، بل المراد منه أنه يلزمهم عند المراجعة بالنكاح الجديد رعاية حقوق الله تعالى وقصد الإقامة لحدود الله (٣).

وقال في موضع آخر: والمعلق بإن على الشيء لا يلزم أن يكون عدما عند عدم ذلك الشيء، ويدل عليه آيات منها … قوله: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} والمراجعة جائزة بدون هذا الظن (٤).

وقول الشوكاني، ومن معه أظهر-والله أعلم- لأنه ظاهر الآية، ولأن جعل ظنهما إقامة حدود الله شرطا أبلغ في زجر النفوس المتنازعة التي استوفت مرات الطلاق كلها، حتى بانت المرأة، وحرمت على زوجها، إلا بالزواج من آخر وطلاقها منه. ففي اشتراط هذا الشرط ما يستقيم به حال الزوجين، وتستقر معه الحياة الزوجية، وبغيره لا يكون إلا إعادة الخصومات (٥)، والرجوع إلى الحال الأولى من الاختلاف، والشقاق.


(١) تيسير الكريم الرحمن ص ١٠٣.
(٢) انظر: الجامع لأحكام القرآن ج ٣/ ص ١٤٦، والإشارات الإلهية ج ١/ ص ٣٣٩، والبحر المحيط ج ٢/ ص ٣٢٣، ٣٢٤، وفتح البيان ج ٢/ ص ٢٧، وتيسير الكريم الرحمن ص ١٠٣، وتفسير سورة البقرة ج ٣/ ص ١١٩، وحدائق الروح والريحان ج ٣/ ص ٣٢٠.
(٣) انظر: التفسير الكبير ج ٦/ ص ٩٢.
(٤) انظر: المصدر السابق ج ٣١/ ص ١٣١.
(٥) انظر: التحرير والتنوير ج ٢/ ص ٤٠٠.

<<  <   >  >>