للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وممن قال بهذا الاستنباط: الجصاص، وابن العربي، البيضاوي، وابن جزي، وابن كثير، وابن عادل الحنبلي، والشربيني، وابن عاشور. (١).

وممن خالف في ذلك: الطبري؛ إذ رجح أن لكل مطلقة متعة بدليل عموم قوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (٢٤١)} [البقرة: ٢٤١] فقال: والذي هو أولى بالصواب من القول في ذلك عندي قول من قال: لكل مطلقة متعة؛ لأن الله تعالى ذكره قال: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (٢٤١)} فجعل الله تعالى ذكره ذلك لكل مطلقة، ولم يخصص منهن بعضا دون بعض، فليس لأحد إحالة ظاهر تنزيل عام إلى باطن خاص إلا بحجة يجب التسليم لها.

فإن قال قائل: فإن الله - تعالى ذكره- قد خصص المطلقة قبل المسيس إذا كان مفروضا لها بقوله: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} إذ لم يجعل لها غير النصف الفريضة، قيل: إن الله تعالى ذكره إذا دل على وجوب شيء في بعض تنزيله؛ ففي دلالته على وجوبه في الموضع الذي دل عليه الكفاية عن تكريره حتى يدل على بطول فرضه، وقد دل بقوله: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} على وجوب المتعة لكل مطلقة، فلا حاجة بالعباد إلى تكرير ذلك في كل آية وسورة، وليس في دلالته على أن للمطلقة قبل المسيس المفروض لها الصداق نصف ما فرض لها دلالة على بطول المتعة عنه؛ لأنه غير مستحيل في الكلام لو قيل: وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم والمتعة، فلما لم يكن ذلك محالا في الكلام؛ كان معلوما أن نصف الفريضة إذا وجب لها لم يكن في وجوبه لها نفي عن حقها من المتعة (٢).

وذكر الشنقيطي دليلا آخر على أن لها المتعة مع نصف المهر، فقال: وقد ذكر تعالى في موضع آخر ما يدل على الأمر بالمتعة للمطلقة قبل الدخول وإن كان مفروضا لها، وذلك في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (٤٩)} [الأحزاب: ٤٩]؛ لأن ظاهر عمومها يشمل المفروض لها الصداق وغيرها (٣).


(١) انظر: أحكام القرآن ج ٢/ ص ١٤٢، وأحكام القرآن لابن العربي ج ١/ ص ٢٤٩، وأنوار التنزيل ج ١/ ص ٥٣٤، والتسهيل لعلوم التنزيل ج ١/ ص ٨٥، وتفسير القرآن العظيم ج ٢/ ص ٢١٠، واللباب في علوم الكتاب ج ٤/ ص ٢١٣، ٢١٤، والسراج المنير ج ١/ ص ١٧٨، والتحرير والتنوير ج ٢/ ص ٤٤١.
(٢) انظر: جامع البيان ج ٤/ ص ٣٠١، ٣٠٢.
(٣) انظر: أضواء البيان ج ١/ ص ١٤٤.

<<  <   >  >>