للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال ابن العربي: يحتمل قوله إلا ما يتلى عليكم الآن، أو إلا ما يتلى عليكم فيما بعد من مستقبل الزمان. وفي هذا دليل على جواز تأخير البيان عن وقت لا يفتقر فيه إلى تعجيل الحاجة، وهي مسألة أصولية، ومعناه أن الله سبحانه أباح لنا شيئا وحرم علينا شيئا استثناء منه، فأما الذي أباح لنا فسماه وبينه، وأما الذي استثناه فوعد بذكره في حين الإباحة، ثم بينه بعد ذلك في وقت واحد، أو في أوقات متفرقة على اختلاف التأويلين المتقدمين، وكل ذلك تأخير للبيان والله أعلم (١).

وإنما أثبتُ للشوكاني عبارة (جواز تأخير البيان إلى وقت الحاجة)، وإن كانت عبارته في تفسيره: (جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة)؛ لأمرين:

الأول: أنه نص في إرشاد الفحول على أن تأخر البيان عن وقت الحاجة- وهو الوقت الذي إذا تأخر البيان عنه لم يتمكن المكلف من المعرفة لما تضمنه الخطاب، وذلك في الواجبات الفورية- لم يجز; لأن الإتيان بالشيء مع عدم العلم به ممتنع عند جميع القائلين بالمنع من تكليف ما لا يطاق. (٢).

ثم ذكر مسألة أخرى هي: تأخير البيان عن وقت ورود الخطاب إلى وقت الحاجة إلى الفعل، وذلك في الواجبات التي ليست بفورية، وذكر فيها مذاهب (٣)، أبرزها:

١ - الجواز مطلقا، وبه قال الشوكاني بعد أن ذكر أدلة القول بهذا القول (٤).


(١) انظر: أحكام القرآن ج ٢/ ص ١٠.
(٢) انظر: إرشاد الفحول ص ٣٩٣. وقد نقل عن السمعاني قوله: لا خلاف في امتناع تأخير البيان عن وقت الحاجة إلى الفعل، ولا خلاف في جوازه إلى وقت الفعل; لأن المكلف قد يؤخر النظر، وقد يخطئ إذا نظر فهذان الضربان لا خلاف فيهما.
(٣) راجعها في: إرشاد الفحول ص ٣٩٦ - ٣٩٧.
(٤) واستدلوا بقوله: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (١٩)} [القيامة: ١٨ - ١٩] وثم للتعقيب مع التراخي. وقوله في قصة نوح صدق الله العظيم: وأهلك من قوله: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (٤٠)} [هود: ٤٠]، وعمومه يتناول ابنه.
وبقوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (٩٨)} [الأنبياء: ٩٨]. ثم لما سأل ابن الزبعرى عن عيسى والملائكة نزل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (١٠١)} [الأنبياء: ١٠١].
وبقوله تعالى: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ} ثم وقع بيانها بعد ذلك بصلاة جبريل وبصلاة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وبقوله تعالى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ}، و {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: ٩٧] ثم وقع البيان لهذه الأمور بعد ذلك بالسنة، ونحو هذا كثير جدا. انظر: إرشاد الفحول ص ٣٩٤ - ٣٩٥.

<<  <   >  >>