للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وممن قال بهذا الاستنباط: ابن المنير، والبيضاوي-كما تقدم-، والقنوجي، والقاسمي. (١). وحكاه الآلوسي (٢).

وهذا الاستنباط من حيث النظر إلى سر تغيير النظم صحيح. وفيه حث على علو الهمة، والنظر إلى الأنفع، والتحذير من الميل إلى الدنيا ولذاتها.

لكن يتنبه إلى أن اتخاذ الخيل والبغال والحمير زينة جائز؛ لأن ذكر التزين في معرض الامتنان دال على أنه نعمة، فاتخاذها زينة دون خيلاء جائز؛ لأن التجمل بالملابس والمراكب لا مانع منه شرعا، وهو لا ينافي أن يكون لخلقها حكم أهم، كالجهاد عليها، وسفر الطاعات (٣).

قال القرطبي: (وهذا الجمال والتزيين وإن كان من متاع الدنيا فقد أذن الله سبحانه لعباده فيه) (٤).

ولذا استنبط القصاب أن اتخاذها زينة ليس من الدنيا المذمومة، فقال: (قوله: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} دليل على أن طلب الجمال والزينة إذا عري صاحبها من الفخر والخيلاء. وأراد بهما إظهار نعمة الله عليه ليس بمؤثر في نسك الناسك، وليس من الدنيا المذمومة. ألا ترى أنه جل جلاله جعل ذلك في عداد النعمة على خلقه) (٥).

وليس في استعمالها زينة دون خيلاء ما يشين؛ إذ فرق بين اتخاذها زينة، والخيلاء بها. قال الشيخ محمد أبو زهرة: بعد أن ذكر سبحانه نعمته في الأنعام، وما تتخذ منها من منافع وما يكون فيها، ذكر نعمه في غيرها مما لا يشمله اسمها، وكان العرب يجدون فيها متاعا، وهي الخيل والبغال والحمير، فإن فيها نعمة التمكين من ركوبها، أو نعمة أنها تتخذ زينة لهم في غدوهم ورواحهم، وقد قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (١٤)} [آل عمران: ١٤]، فالخيل المسومة من زينة الحياة، فالخيل ومثلها البغال والحمير تتخذ زينة، والزينة هي ما يكون في الخيل من راحة للنفس، وفرق بين اتخاذها زينة والخيلاء بها، فإن الخيلاء تفسد القلب، أما التزين، أو طلب ما يكون فيه زينة فإنه لا شيء يمس القلب ليفسده (٦).


(١) انظر: الانتصاف ج ٢/ ص ٥٥٧، وأنوار التنزيل ج ٣/ ص ٣٨٧، وفتح البيان ج ٧/ ص ٢١١، ومحاسن التأويل ج ٦/ ص ٣٥٢.
(٢) روح المعاني ج ١٤/ ص ١٠١.
(٣) مستفاد من المصدر السابق ج ١٤/ ص ١٠١.
(٤) الجامع لأحكام القرآن ج ١٠/ ص ٧٤.
(٥) نكت القرآن ج ٢/ ص ٤٦.
(٦) انظر: زهرة التفاسير ج ٨/ ص ٤١٣٥.

<<  <   >  >>