للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد بين الآلوسي أن هذا الاستنباط يصح على التفاسير السابقة، فقال: (ولعل النكتة في ذلك القسم تشبيه أقوالهم في اختلافها وتنافي أغراضها بطرائق السماوات في تباعدها واختلاف هيئاتها، أو الإشارة إلى أنها ليست مستوية جيدة، أو ليست قوية محكمة، أو ليس فيها ما يزينها بل فيها ما يشينها من التناقض) (١).

وفي هذا الاستنباط تنبيه على نوع هام من أنواع المناسبات هو التناسب والترابط بين المقسم به والمقسم عليه، إذ اختيار المقسم به تراعى فيه الصفة التي تناسب الموقف (٢).

وقد نبه إلى هذا النوع ابن القيم، كما اعتنى به ابن عاشور في تفسيره (٣).

قال ابن القيم -في سورة الضحى-: (فتأمل مطابقة هذا القسم، وهو نور الضحى الذي يوافي بعد ظلام الليل للمقسم عليه، وهو نور الوحي الذي وافاه بعد احتباسه عنه حتى قال أعداؤه ودع محمدا ربه، فأقسم بضوء النهار بعد ظلمة الليل على ضوء الوحي ونوره بعد ظلمة احتباسه واحتجابه. وأيضا فإن فالق ظلمة الليل عن ضوء النهار هو الذي فلق ظلمة الجهل والشرك بنور الوحي والنبوة، فهذان للحس، وهذان للعقل. وأيضا فإن الذي اقتضت رحمته أن لا يترك عباده في ظلمة الليل سرمدا، بل هداهم بضوء النهار إلى مصالحهم ومعايشهم، لا يليق به أن يتركهم في ظلمة الجهل والغي، بل يهديهم بنور الوحي والنبوة إلى مصالح دنياهم وآخرتهم. فتأمل حسن ارتباط المقسم به بالمقسم عليه، وتأمل هذه الجزالة والرونق الذي على هذه الألفاظ والجلالة التي على معانيها) (٤).


(١) روح المعاني ج ٢٧/ ص ٥. وقلتُ: يصح هذا الاستنباط على جميع الأقول على اعتبار أن المناسبة هي التضاد بين أقوالهم وبين حال السماء من الشدة والجمال والقوة.
(٢) انظر: التفسير البياني للقرآن الكريم ج ١/ ص ٢٥.
(٣) انظر: أثر الدلالات اللغوية في التفسير عند الطاهر بن عاشور في كتابه التحرير والتنوير ص ٥٦١ - ٥٦٣.
(٤) التبيان في أقسام القرآن ص ٤٦.

<<  <   >  >>