للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى أثنى على المجاهدين في سبيله، وبين حبه سبحانه لهم، ثم ذكر قصة موسى -عليه السلام- وعيسى -عليه السلام-؛ فدل بدلالة الربط بين الآيات على أن المناسبة أن موسى وعيسى أمرا بالتوحيد، وجاهدا في سبيل الله، وحل العقاب بمن خالفهم. فالرابط الجهاد. أو أن المناسبة التحذير لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم- أن يفعلوا مع نبيهم ما فعله قوم موسى وعيسى معهما.

وممن قال بهذا الاستنباط: القنوجي (١). وذكر القرطبي الوجه الأول (٢).

أما ابن عاشور ففصل في ذكر المناسبة، فجعل مناسبة مجيء قصة موسى إما للتعريض بمن آذوا النبي -صلى الله عليه وسلم-. أو التحذير من مخالفة لنبي -صلى الله عليه وسلم-، فوافق الشوكاني في الوجه الثاني، قال: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (٥)} موقع هذه الآية هنا خفي المناسبة، فيجوز أن تكون الجملة معترضة استئنافا ابتدائيا انتقل به من النهي عن عدم الوفاء بما وعدوا الله عليه إلى التعريض بقوم آذوا النبي -صلى الله عليه وسلم- بالقول أو بالعصيان أو نحو ذلك، فيكون الكلام موجها إلى المنافقين، فقد وسموا بأذى الرسول -صلى الله عليه وسلم-. وعلى هذا الوجه فهو اقتضاب، نقل به الكلام من الغرض الذي قبله لتمامه إلى هذا الغرض. أو تكون مناسبة وقعه في هذا الموقع حدوث سبب اقتضى نزوله من أذى قد حدث لم يطلع عليه المفسرون، ورواة الأخبار وأسباب النزول. ويجوز أن يكون من تتمة الكلام الذي قبلها، ضرب الله مثلا للمسلمين لتحذيرهم من إتيان ما يؤذي رسوله -صلى الله عليه وسلم- ويسوءه، من الخروج عن جادة الكمال الديني، مثل عدم الوفاء بوعدهم في الإتيان بأحب الأعمال إلى الله تعالى. وأشفقهم من أن يكون ذلك سببا للزيغ والضلال كما حدث لقوم موسى لما آذوه. ويناسب أن تكون هذه الآية تحذيرا من مخالفة أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وعبرة بما عرض لهم من الهزيمة يوم أحد لما خالفوا أمره من عدم ثبات الرماة في مكانهم. وقد تشابهت القصتان في أن القوم فروا يوم أحد كما فر قوم موسى يوم أَرِيْحَا. (٣). (٤).


(١) انظر: فتح البيان ج ١٤/ ص ١٠٠.
(٢) انظر: الجامع لأحكام القرآن ج ١٨/ ص ٧٤.
(٣) أريحا بالفتح ثم الكسر وياء ساكنة والحاء مهملة. وفيها لغات أخرى: أَرْيَح بالفتح ثم السكون وياء مفتوحة وحاء مهملة، وقد رواه بعضهم بالخاء المعجمة، لغة عبرانية. وهي مدينة الجبارين في الغور من أرض الأردن بالشام، بينها وبين بيت المقدس يوم للفارس في جبال صعبة المسلك. سميت فيما قيل بأريحا بن مالك بن أرفخشد بن سام بن نوح -عليه السلام-. انظر: معجم البلدان ج ١/ ص ١٦٥.
(٤) انظر: التحرير والتنوير ج ٢٨/ ص ١٥٨، ١٥٩.

<<  <   >  >>