فإن اختار الجواب الأول، وقال: شهادة أبي وإخباره إياي بنبوة موسى هي سببُ تصديقي بنبوته.
فيقال له: ولِمَ كان أبوك عندك صادقًا في ذلك، معصومًا عن الكذب، وأنت ترى الكفار يعلِّمهم آباؤهم ما هو كُفْرٌ عندك؟
فإذا كنت ترى الأديان الباطلة والمذاهب الفاسدة قد أخذها أربابُها عن آبائهم، كأخذك مذهبك عن أبيك، وأنت تعلم أن الذين هم عليه ضلالٌ، فيلزمك أن تبحث عمَّا أخذته عن أبيك [١٧٤ أ] خوفًا أن تكون هذه حاله.
فإن قال: إن الذي أخذتُه عن أبي أصحّ من الذي أخذه الناس عن آبائهم، كفاهُ معارضةُ غيره له بمثل قوله.
فإن قال: أبي أصدقُ من آبائهم وأعرفُ وأفضلُ، عارضه سائرُ الناس في آبائهم بنظير ذلك.
فإن قال: أنا أعرفُ حال أبي، ولا أعرف حال غيره.
قيل له: فما يُؤمِنك أن يكون غير أبيك أصدقَ من أبيك، وأفضل، وأعرفَ؟
وبكل حالٍ، فإن كان تقليدُ أبيه حُجَّةً صحيحةً كان تقليد غيره لأبيه كذلك، وإن كان ذلك باطلاً كان تقليده لأبيه باطلاً.
فإن رجع عن هذا الجواب، واختار الجواب الثاني، وقال: إنما علمت نبوّة موسى بالتواتر قرنًا بعد قرن، فإنهم أخبروا بظهوره، وبمعجزاته، وآياته، وبراهين نبوّته التي تضطر إلى تصديقه.
فيقال له: لا ينفعك هذا الجواب، لأنك قد أبطلت ما شهد به التواتُر من نبوّة عيسى ومحمدٍ صلى الله عليهما وسلم.