فإن قُلت: تواتر ظهور موسى ومعجزاته، ولم يتواتر ذلك في المسيح ومحمد.
قيل: هذا هو اللائق ببهت الأمة الغضبية، فإن الأمم جميعهم قد عرفوا أنهم قومٌ بُهتٌ، وإلا فمن المعلوم أن الناقلين لمعجزات المسيح ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أضعافُ أضعافكم بكثير، والمعجزات التي شاهدها أوائلهم لا تنقص عن المعجزات التي أتى بها موسى عليه السلام، وقد نقلها عنهم أهل التواتر جيلاً بعد جيلٍ، وقرنًا بعد قرنٍ، وأنت لا تقبلُ خبر التواتر في ذلك وتردّه، فيلزمُك أن لا تقبله في أمر موسى عليه السلام.
ومن المعلوم بالضرورة أن من أثبت شيئًا ونفى نظيره فقد تناقض.
وإذا اشتهر النبيّ في عصرٍ، وصحّت نبوّته في ذلك العصر بالآيات التي ظهرت عليه لأهل عصره، ووصل خبرُه إلى أهل عصرٍ آخر، وجب عليهم تصديقه والإيمان به، وموسى والمسيح ومحمدٌ صلوات الله وسلامه عليهم في هذا سواءٌ.
ولعل تواتر الشهادات بنبوة موسى أضعف من تواتر الشهادات بنبوة عيسى ومحمدٍ، لأن الأمة الغضبية قد مَزّقها الله تعالى كل مُمَزَّق، وقطّعها في الأرض، وسلبها ملكها وعِزّها، فلا عيشَ لها إلا تحتَ قَهْرِ سواها من الأمم لها، بخلاف أمة عيسى عليه السلام، فإنها قد انتشرت في الأرض، وفيهم الملوك، ولهم الممالك.
وأما الحنفاء: فممالكهم قد طَبّقت مشارق الأرض ومغاربها، ومَلأوا الدنيا سَهْلاً وجبلاً، فكيف يكون نقلهم لما نقلوه كذبًا، ونقل الأمة الغضبية